العمل يجعلني مريضاً أريد أن أستقيل!
هناك الكثير من الطرق للتعامل مع المواقف الصعبة، والأداة التي سميت علي نحو رائع بأداة توماس كيلمان لأنماط النزاع هي عبارة عن استبيان يحدد استراتيجيتك الأكثر استخداماً في التعامل مع النزاع من خلال سرد خمسة أنماط: التجنب، والملاءمة، والمساومة، والمنافسة، والتعاون.
كل تلك الأنماط يمكن أن تكون مناسبة، أو غير مناسبة اعتمادا علي الموقف الذي تتعامل معه؛ ولكن كما هي الحال في معظم هذه الأنماط، فإن الشيء الذي يجب أن تنتبه إليه هو إذا ما كنت تتعامل من منطلق الخوف أم الاختيار.
فالرغبة الملحة في الانسحاب أو تجنب موقف غير سار أو عديم الفائدة هو أمر طبيعي، فمن المنطقي جداً أن تتجنب الخطر، وأبسط الطرق لتحقيق ذلك هي إبعاد نفسك عن مصدر التهديد هو عملك .
ويقول عقلك بكل منطقية: يجعلني العمل أشعر بعدم السعادة، وكوني غير سعيد ليس في صالحي؛ لذلك أنا بحاجة إلي ترك العمل. تلك الاستجابة متأصلة في تاريخ تطورنا، وهي جزء من مخزون استجابتنا الفطرية للخطر، والتي توصف عادة بالكر والفر والتجمد.
لكن قبل أن ننفذ ما تفرضه علينا برمجتنا الفطرية، يجب أن نستفيد من الإضافة الحديثة لآليات الدفاع الخاصة بنا، فنحن نطور القدرة علي استخدام المنطق إلي جانب الغريزة، ومن ثم فنحن لدينا خيار إضافي متمثل في التفكير قبل التصرف، وهذا يُمكّننا من استخدام ما أراه أكثر الأدوات قوة تحت تصرفنا، فنحن لدينا القدرة علي اتخاذ قرارات منطقية، "أي قوة الاختيار" لذلك يمكننا تجاوز هذا الجزء البدائي والضار من عقلنا والذي لا يستطيع سوي الاستجابة إلي الأحداث الطارئة بمشاعر فورية.
وعوضاً عن هذا يمكننا أن نتراجع خطوة للخلف ونكوّن بعض وجهات النظر بدلا من الذهاب مباشرة إلي اتخاذ قرار متسرع، وقد يبدو بعد التفكير المتروي في كل شيء أن تركك العمل هو الخيار الأفضل، ولكن قبل أن نقرر ذلك يمكننا أن نستفيد من استخدام الجزء المنطقي داخل عقلنا، حيث يصف الطبيب النفسي البروفيسور "ستيف بيترز" في كتابه"he chimp paradox" العقل البشري بأنه يحتوي علي ثلاثة كيانات منفصلة هي:
أولاً: الجزء المنطقي، ثانياً: العقل البدائي، وهو الجزء الحيواني الداخلي المسئول عن رغباتنا الأنانية، أو عواطفنا، أو تصرفاتنا الدفاعية، وهذا الجزء من العقل هو الأسرع في التصرف، والأكثر قوة؛ حيث إنه أقوي من جزء العقل المسئول عن التفكير والتحليل بستة أضعاف.
ويعتمد نجاحنا الفردي علي قدرة العقل علي "إدارة" هذا الجزء الحيواني، والذي يتم عن طريق الشعور بالطمأنينة والتفكير النقي، والأهم من كل هذا التعامل مع الحقائق لا العواطف، والجزء الثالث من العقل هو الحاسب الآلي حيث إنه يخزن ويستنسخ بدقة عالية المعلومات التي يمنحها له الجزءان الآخران. بعد ذلك يخلق الحاسب الآلي "رؤية للعالم" أو منظوراً أو نمطاً ثابتاً يقوم في الواقع ببرمجة استجابتنا لأي موقف محدد.
إذا كان الدافع لترك العمل للهرب من الحظر هو نتيجة شعور الجزء الحيواني بالمؤامرات والافتراء في كل مكان، إذن فإنه أي ترك العمل ليس القرار الأمثل من أجلك، وإذا كان نتيجة القرار العقلاني النابع من جزء العقل الإنساني حيث من الأفضل توظيف قدراتك في مكان آخر وفعل شيء أكثر قيمة بالنسبة لك إذن فترك العمل حينها سيكون أفضل قرار بالنسبة لك.
إن عقلنا الباطن قوي جداً، لكنه في بعض الأحيان يفهم الأشياء بصورة خاطئة، وكما يري البروفيسور "ستيف بيتزر" أن الجزء الحيواني من العقل أقوي من الجزء الإنساني؛ لذلك يجب أن نكون متيقنين إذا أردنا التأكد من أن قراراتنا جاءت نتيجة تفكير عقلاني وليست ناجمة عن حالات عاطفية كجنون الشك أو الإحباط أو الإحساس بالذنب، أو بالأكثر شيوعاً، وهو الخوف.
ونحن مبرمجون علي البحث عن السعادة، والبعد عن الألم، ومن ثم فإن ترك منصب يبدو مستحيلا بالنسبة لنا الاستمرار فيه يبدو أنه القرار الأكثر منطقية.
إذن ما المشكلة في ذلك؟
من الممكن أن تكون المشكلة هي أننا نعلق مشاعر السعادة والألم علي الأمور الخطأ، افترض أن شخصا يتبع حمية غذائية، لكي ينقص من وزنه، كم عدد الأشخاص الذين تعرفهم يقضون اليوم بأكمه يتحدثون عن الطعام الذي لا يتناولونه بينما يكافئون أنفسهم بذلك الطعام في وقت لاحق من اليوم؟
هم يعلمون أنه لا ينبغي عليهم القيام بذلك، ذلك الطعام لأنهم التزموا بالحمية، أو يقولون "إنها واحدة فقط فأنا لم آكل مطلقا طعاما يخل بالحمية الغذائية أمس".
هل يمكنك تحديد المشكلة هنا ؟ الأطعمة الدسمة أصبحت "هدية" و" مكافأة"، إذن ما الذي سيفكر فيه عقل الشخص الذي يقوم بالحمية طوال اليوم؟ القيام بالحمية هو شيء صعب للغاية؛ لذلك يشعر الأشخاص الذين يقومون بالحمية كل يوم بالألم الناجم عن التحكم في رغباتهم الطبيعية، وحرمان أنفسهم من السعادة.
ولا عجب أن العقل الباطن الذكي سيدافع عن المكافأة، وسيتوصل إلي كل أشكال الحجج التي تثبت أن الحمية الغذائية غير مجدية، ولن تجدي. وهي العملية نفسها التي تجعل المدخن يدخن حتي الموت رغم وعيه الكامل بالمخاطر التي يسببها لصحته.
وتغيير نمط الحياة لن يستمر إلا عندما ترتبط السعادة بشيء ذي قيمة أكبر للفرد من سلوكه غير الصحي السابق.
فهو بحاجة إلي سبب كاف للالتزام به، ربما هذا السبب هو أن تكون لديه الصحة الكافية للعب مع أطفاله، أو أن يعيش بما يكفي للعب مع أحفاده أيا كان السبب بمجرد أن تجده فإن السعادة ستكون مرتبطة بالسلوكيات الجديدة بينما يرتبط الألم بالسلوكيات القديمة.
السؤال هنا : ما علاقه هذا بالمدير الذي يريد أن يترك عمله المحبط ؟
كيف ستشعر عندما تسمح "لهم "أو "لها" بهزيمتك؟ وكيف سيكون شعورك عندما تحقق الأهداف المراد تحقيقها؟
وماذا سيعني لك أن تعمل مع الآخرين لتخلقوا شيئا مميزًا وتتمكنوا من قول:" لقد نجحنا !"؟ هل الأشياء التي تعوق طريقك هي سمات دائمة في شخصيتك، أو في الدور الذي تقوم به، أو الأشخاص الذين تعمل معهم، أو الشركة التي تعمل لديها، أم هي إحباطات ومشكلات مؤقتة تحتاج إلي التغلب عليها لكي تتمكن من تحقيق أهدافك ؟
هل لديك صورة واضحة عن تلك الأهداف المراد تحقيقها؟
هل تعتقد أنها شيء يستحق التحقيق؟
المُشكلة هنا هي إذا ما كنت تربط الألم والسعادة بالأشياء الصحيحة أم لا. أنت فقط من يعلم ذلك.