الزُهري وقرح الجهاز التناسلي
ينطق الجمهور الاسم بضم الزاي وصحتها بالفتح حيث ينسب الاسم لفينوس إلهة الحب الذي سمي كوكب الزَهرة باسمها. لا تزال الأسئلة عن توقيت ظهور مرض الزهري في تاريخ البشرية معلقة لم تحسم بعد في تاريخ العمل: هل بدأ منذ وقت سحيق في العالم القديم؟ أم جاء إليه من العالم الجديد مع بحارة كريستوفر كولومبوس عقب اكتشاف أمريكا؟ تعتبر أوبئة الزهري التي انتشرت في أوروبا بداية من حصار نابولي في القرن الخمس عشر أول إشارة تاريخية موثقة جيداً.
هناك ثلاثة نظريات متداولة عن تاريخ مرض الزهري: تزعم أُولاها انتقاله من جزر الهند الغربية التي كان متوطنا بها إلى أوروبا مع بحارة كولومبس حيث تشير الدراسات إلى وجود ما يثبت إصابة الهياكل العظمية للسكان الأصليين الذين عاشوا قبل اكتشاف أمريكا بالزهري ويدعم هذه النظرية عدم وجود تلك العلامات في مومياوات المصريين القدماء، وتعتقد النظرية الثانية أن الزهري كام موجودا منذ القدم في صورة حالات فردية في أوروبا ثم ما لبث أن تحول إلى وباء في القرن الخامس عشر نتيجة الحروب وما يصاحبها من ترك الجنود أسرهم لفترات طويلة ومن ثم اضطرارهم لمعاشرة المومسات اللائي كن يصحبن الجيوش في تحركاتها (إضافة إلى أرباب الملاهي وباعة الأطعمة وكل ما يلزم الإقامة الطويلة). وتقول النظرية الثالثة: إن المرض نشأ نتيجة تطور بيولوجي لبعض البكتيريا الحلزونية التي تسبب أمراضا لا تنتقل بالمعاشرة الجنسية ولها نفس خصائص حلزون الزهري ولا تزال موجودة للآن في مناطق جغرافية محدودة من العالم مثل أمراض البيجل (Bejel) في شبه الجزيرة العربية وبينتا(Pinta) في أمريكا الجنوبية.
شغل الزهري الأوساط الطبية منذ القرن الخامس عشر لانتشاره ولآثاره المدمرة على صحة المصاب كذا لغياب علاج فعال له حتى العرن العشرين حين اكتُشفت مركبات الزرنيخ في أوائله ثم البنسلين في أربعينياته. لم يقتصر المرض على عامة الناس بل أصاب البيوت الحاكمة والبلاط والنبلاء الأرستقراطيين ومشاهير الفنانين والأدباء، وهناك قوائم طويلة بأسماء من أصيب من الفنانين والأدباء والملوك في كتب التاريخ عامة وتاريخ الطب خاصة. أوحى المرض ومآسيه بأعمال عديدة للأدباء والشعراء ومن الطريف أن اسم المرض باللاتينية (سفلسSyphilis) جاء من قصيدة للشاعر فراكاستوريوس يصف فيها ما أصاب راعي إبراشية يدعى سفلس من خزي وتدمير صحي نتيجة إصابته بالزهري.
الميكروب المسبب
تريبونيما باليدم (Treponema pallidum) بكتيريا ذات شكل لولبي (تشبه البريمة المستخدمة في انتزاع الفِلة من الزجاجة) يختلف عن باقي الميكروبات اللولبية بقدرته على الحركة وشده ورفعه، ولم يمكن حتى اليوم تزريعه خارج الجسم على الوسائط الصناعية مثل الكثير من الميكروبات. ولولب الزهري مثل باقي مسببات الأمراض المنقولة جنسيا شديد الضعف خارج الجسم ويسهل القضاء عليه بالمطهرات البسيطة مثل الماء والصابون كما أنه لا يتحمل الجفاف أو تغيرات درجة الحرارة.
انتقال العدوى
ينقسم المرض إلى نوعين حسب طريقة انتقال العدوى: الزهري المكتسب تنتقل فيه العدوى بالاتصال الجنسي ويصيب البالغين والزهري الوراثي الذي ينتقل من الأم لطفلها عن طريق المشيمة.
الاتصال الجنسي مسؤول عن الغالبية العظمى من النوع المكتسب (95%) وقد ينتقل الميكروب في قلة من الحالات (5%) عن طريق نقل الدم أو المحاقن وإبر الوشم وآلات الختان وأمواس الحلاقة الملوثة والتلامس المباشر.