فيروس العوز المناعي المكتسب المسبب للإيدز
في السنوات الأولى من ثمانينيات القرن العشرين رصد الأطباء حالات يتخاذل فيها جهاز المناعة عن القيام بواجباته مما يؤدي إلى الإصابة بالميكروبات الانتهازية (ميكروبات لا تهاجم الجسم السليم)، كما يؤدي أيضا إلى ظهور بعض أنواع الأورام الخبيثة وينتهي بالموت. ولما كان المستقر في المراجع الطبية حتى ذلك الحين أن نقص المناعة مرض وراثي ينتج عن خلل في الجينات التي تحمل الصفات الوراثية لمكونات جهاز المناعة وتظهر أعراضه في المراحل المبكرة من العمر فقد أطلق على الحالات الجديدة من نقص المناعة "اسم نقص المناعة المكتسب" (أي الذي لا تسببه عوامل وراثية).
وكان من اللافت للنظر انتشار حالات نقص المناعة المكتسب بصورة وبائية بين فئات بعينها مثل الرجال المثليين (اللوطيين عام 1982) وكذا بين المصابين بأمراض تعالج بنقل الدم أو مشتقاته مثل الهيموفيليا وبين مدمني المخدرات ممن يتناولون العقاقير المخدرة عن طريق الحقن الوريدي وذوي العلاقات الجنسية المتعددة من الرجال والنساء مما أشار إلى ظهور مرض جديد لم يكن معروفا من قبل ينتقل عن طريق الممارسة الجنسية والدم. أطلق على القادم الجديد "مرض العوز المناعي المكتسب" وأسموه اختصارا "إيدز" وهي الحروف الأولى للاسم الإنجليزي للمرض
(ACQUIRED IMMUNODEFICIENCY SYNDROME)
وخلال سنوات قليلة من رصد الوباء استطاع العلماء تحديد مسبب المرض وذلك بفضل التقدم العلمي الحالي (قارن الزهري الذي استغرق اكتشاف سببه زهاء أربعة قرون، منذ ظهوره بصورة وبائية في القرن الخامس عشر حتى استطاع العالم الألماني إرلخ في القرن العشرين عام 1906 مشاهدة الميكروب اللولبي ميكروسكوبيا وإثبات أنه الميكروب المسبب للزهري).
وواكب اكتشاف الفيروس المسبب للمرض الجديد نزاعا بين العلماء الفرنسيين والأمريكيين عمن كان له السبق في اكتشاف فيروس الإيدز تداولته ساحات المحاكم منذ أواسط ثمانينيات القرن العشرين حتى بدايات القرن الواحد والعشرين وانتهت بحسمها لصالح العلماء الفرنسيين وقد سبق الإشارة إليه تفصيلا.
وقد احتل وباء الإيدز مقدمة المسرح بلا منازع وصار بؤرة الاهتمام: ينتقل للملايين يومياً وتتزايد أعداد المصابين به عاما بعد عام رغم جهود منظمة الصحة العالمية والحكومات المختلفة والجمعيات الأهلية المهتمة ورغم ما ينفق من بلايين الدولارات على برامج المكافحة وعلى البحوث العلمية وعلى محاولات اكتشاف طعم واقٍ أو علاج شافٍ.
ويبقى الإيدز أشنع الأمراض المنقولة جنسيا وأشدها وطأة على الجنس البشري منذ الخليقة، يقتل كل من يصاب به دون استثناء طالت المدة أم قصرت، يصيب الشريحة المنتجة من السكان بكل ما في ذلك من تداعيات اقتصادية، لم يعرف له منشأ ولا كيف ولا لماذا بدأ، ولا يوجد له حتى اليوم طعم واقٍ أو علاج شافٍ يخلص الجسم نهائيا من الفيروس المراوغ الذي يغير شكله وتراكيبه بسرعة لم يعرفها العلم إلا في فيروس الأنفلونزا، لينتج أشكالا وسلالات جديدة لا تستجيب للعقاقير ولا تحمي منها الأمصال والطعوم الواقية. وظني أن الإيدز سيحتل مقدمة المسرح لمدة لا يعلمها إلا الله وسيستمر في الانتشار وفي تحدي الطب والعلم حتى يقتنع الإنسان بأن الوسيلة الوحيدة للإفلات تنحصر في الاكتفاء برفيق واحد وهكذا أمرتنا جميع الأديان والأعراف.
محطات مهمة في مسيرة المرضى
-1981 رصد حالات نقص مناعة بين اللوطيين في الولايات المتحدة.
-1982 تحديد هوية المرض وتسميته.
-1983اكتشاف الفيروس المسبب للمرض.
-1984رصد الوباء الأفريقي الناتج عن علاقات جنسية طبيعية.
-1985أول اختبار معملي يصبح متاحا.
-1988 أول دواء مضاد للفيروس (zidovudin)يحصل على موافقة منظمة الأغذية والدواء الأمريكية(FDA).
-1994بداية استخدام(HAART) (العلاج المكثف المكون من ثلاثة أدوية).
-1996إنشاء ((UNAIDS (منظمة تابعة للأمم المتحدة مسؤولة عن مكافحة وباء الإيدز).