قام "بنجامين دزرائيلي" - المعروف في كل كتب التاريخ بأنه من أعظم من تولوا رئاسة وزراء بريطانيا - بتلخيص إنجازاته العظيمة في عبارة واحدة هي: "سر النجاح هو ثبات الغاية".

   وقد بدأ حياته العملية كمؤلف، ولكنه لم يكن ناجحاً جداً في هذا المجال.       ولم يترك أي كتاب من كتبه العديدة انطباعاً عظيماً في جمهور القراء. ثم دخل في مجال السياسة وهو يضع نصب عينيه أن يصبح رئيس وزراء الإمبراطورية البريطانية التي كانت مترامية الأطراف حينها.

  وأصبح عضواً في البرلمان عن دائرة ميدستون، ولكن أول كلمة له في البرلمان وصفت بالفشل.

   وبمواصلته للنضال، أصبح قائدا لمجلس العموم، ثم مستشارا لوزارة المالية. وحقق غايته الكبرى المحددة بعدها بأن أصبح رئيساً للوزراء. وقد واجه هنا معارضة شديدة كانت كفيلة بدفعه إلى الاستقالة من منصبه.

    وقد عاد مرة أخرى فانتخب رئيسا للوزراء ثانية، فأصبح حينها بانياً عظيماً للإمبراطورية البريطانية. وكانت أعظم إنجازاته شراء أسهم شركة قناة السويس. وما كان سيحدث أي من هذا لو أن حياة "دزرائيلي" العملية لم تبن على الانضباط الذاتي.

 وقد نجح "دزرائيلي" في دفع نفسه إلى اجتياز أعظم نقطة من بين كل         نقاط الخطر التي يمر بها غالبية الناس: وهي إنهم يستسلمون ويتراجعون حينما يصبح المسعى شاقا وكثيرا ما ينسحبون عندما لا يفصلهم عن النصر سوى خطوة واحدة.

وقوة الإرادة تكون ذات ضرورة قصوى عندما تكون صعاب الحياة أشد قوة. والانضباط الذاتي يوفر قوة الإرادة في كل حالة طارئة، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة.

وكان الرئيس الأمريكي الأسبق "ثيودور روزفلت" مثالا آخر عما يمكن أن يحدث عندما يحفز القائد بإرادة للفوز رغم الإعاقات العظيمة؛ فخلال مرحلة شبابه المبكرة أصيب بإعاقة خطيرة نتيجة مرض الربو المزمن وضعف البصر اللذين ابتلي بهما. وقد يئس أصدقاؤه من استعادته صحته، ولكنه لم يشاركهم في آرائهم هذه بفضل إدراكه لقوة الانضباط الذاتي.

وقد نزح غرباً، وانضم إلى مجموعة من العمال العنيدين، وأخضع نفسه لنظام انضباط ذاتي محدد، والذي بنى به جسداً قوياً وعقلاً حازماً. وقال بعض الأطباء إنه لن يتمكن من النجاح، ولكنه رفض الاستماع إلى رأيهم

  وفي معركته لاستعادة صحته، اكتسب انضباطاً ذاتياً رائعاً لدرجة أنه عاد إلى الشرق، ودخل في مجال السياسة، واستمر في مسيرته إلى أن جعلته إرادة الفوز رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.

    ومن يعرفونه عن كَثَب قالوا إن الصفة البارزة لديه هي الإرادة التي ترفض قبول الفشل بأنه أي شيء سوى مجرد محفز على بذل جهد أعظم. وعدا هذا، لم تكن قدراته، وتعليمه، وخبراته أكبر من تلك التي توجد لدى من حوله ممن يجهلهم الناس.

وفي أثناء رئاسته للولايات المتحدة، تذمر بعض المسئولين في الجيش من أمر أملاه عليهم ليحافظوا على لياقتهم البدنية: وليريهم أنه يعلم ما يقول لهم، امتطى صهوة إحدى الجياد وعدا به مسافة مائة ميل، في طرق ولاية فيرجينيا الوعرة، مع مسئولي الجيش الذي يعدون خلفه باذلين جهدهم في اللحاق به.

 وخلف كل هذا الجهد البدني يكمن عقل نشط عازم على ألا يعوقه الضعف البدني، وقد عكس هذا النشاط العقلي نفسه على إدارته في البيت الأبيض.

    وعندما يقول العقل "تقدم"، فعلى الجسد أن يستجيب للأمر، ومن ثم يبرهن على صحة مقولة "أندرو كارنيجي" التي يقول فيها إن "قيودنا الوحيدة هي تلك التي ننشئها في عقولنا".

  وقد حاولت إحدى البعثات الفرنسية إنشاء قناة بنما، ولكنها فشلت.

  وقال "ثيودور روزفلت": "يجب أن تنشأ القناة"، ومضى على الفور في التعبير عن إيمانه بلغة عملية. وقد أنشئت القناة! وكانت قوته الشخصية مغلفة بإرادة الفوز! ولكن هذه القوة لا يمكن تحريرها للعمل إلا بالانضباط الذاتي، لا غير.

ثواب المثابرة

كان "روبرت لويس ستيفنسون" شاباً ضعيفاً منذ مولده. وقد منعته حالته الصحية من أداء أي عمل ثابت متعلق بدراساته إلى أن بلغ السابعة عشرة من عمره. وعندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، ساعت صحته جدا لدرجة أن أطباءه قاموا بإرساله إلى الجنوب.