عندما قال "أندرو كارنيجي" إن "قوة الإرادة قوة لا تقاوم ولا تعرف ما يسمى بالفشل"، كان يعني بلا شك أنها لا تقاوم عندما تنظم على نحو صحيح وتوجه نحو غاية محددة في أثناء التحلي بروح الإيمان. ومن الواضح أنه كان يقصد التأكيد على ثلاثة مبادئ مهمة من مبادئ الفلسفة كأساس للانضباط الذاتي المكتسب ذاتيا، وهي:
أ. الغاية المحددة
ب. الإيمان العملي
ج. الانضباط الذاتي
ورغم هذا، ينبغي تذكر أن الحالة العقلية التي تكتسب من خلال هذه المبادئ الثلاثة يمكن تحقيقها على نحو أفضل وأسرع بتطبيق مبادئ أخرى من مبادئ هذه الفلسفة، ومن بينها:
أ. العقل المدبر
ب. الشخصية المحببة
ج. عادة بذل المزيد من الجهد
د. المبادرة الشخصية
ه. الرؤية الإبداعية
وأدمج هذه المبادئ الخمسة بالغابة الموحدة، والإيمان العملي، والانضباط الذاتي، وسوف يكون لديك مصدر متاح من مصادر القوة الشخصية بنسب هائلة.
وقد يجد المبتدئ في دراسة هذه الفلسفة صعوبة في التحكم في قوة إرادته بدون بلوغ هذا التحكم خطوة خطوة بإتقان هذه المبادئ الثمانية وتطبيقها.
ويمكن إتقانها بطريقة واحدة فقط، ألا وهي التطبيق المستمر المثابر لهذه المبادئ. فلابد من نسجها في عادات المرء اليومية وتطبيقها في كل العلاقات الإنسانية، وفي حل جميع المشكلات الشخصية. وقوة الإرادة تستجيب فقط
الدوافع التي يسعى إليها الإنسان بمثابرة، وتصير قوية بالطريقة ذاتها التي تصير بها ذراع المرء قوية - الاستخدام النظامي.
وأصحاب قوة الإرادة المكتسبة ذاتيا، من خلال الانضباط الذاتي، لا ييأسون أو يتخلون عن الأمر عندما يصبح المسعى شاقا، أما من ليس لديهم قوة إرادة فيفعلون ذلك.
وقف جنرال بسيط أمام جيش من الجنود المتعبين المحبطين الذين أصيبوا بهزيمة ساحقة خلال الحرب الأهلية الأمريكية. وقد كان لديه هو أيضا سبب للشعور بالإحباط لأن رياح الحرب كانت ضده.
وعندما أشار أحد ضباطه إلى أن المشهد يبدو محبطا، رفع الجنرال "جرانت" رأسه المتعب، وضيق عينيه، وشد قبضتيه، وقال متحمساً: "سنظل نحارب ولو استغرقت الحرب الصيف كله". وقد حارب حقا كما اختار. وهكذا، قد يكون ذلك القرار الحازم من رجل واحد، وهو قرار مدعوم بإرادة لا تقهر، هوما أتى بالنصر النهائي الذي حافظ على وحدة الولايات
وتقول إحدى المدارس الفكرية:" إن الحق يصنع القوة"، وتقول مدرسة أخرى: "إن القوة تصنع الحق". ولكن من يفكرون بدقة يعلمون أن قوة الإرادة هي التي تصنع القوة، سواء أكانت قوة عادلة أم ظالمة، والتاريخ يدعم هذا المعتقد.
ولتدرس أصحاب الإنجازات العظيمة أينما تجدهم، وسوف تجد دليلاً على أن قوة الإرادة المنظمة والمطبقة بمثابرة هي العامل السائد في نجاحهم. وسوف تجد أيضاً أن الناجحين يلزمون أنفسهم بنظام انضباط ذاتي أكثر حزماً من أي نظام آخر تفرضه عليهم الظروف الخارجة عن سيطرتهم.
وهم يعملون في الوقت الذي ينام فيه الآخرون، ويبذلون المزيد من الجهد، ويبذلون جهدا أكبر وأكبر إذا تطلب الأمر، ولا يتوقفون عن ذلك حتى يقدموا أقصى خدمة يمكنهم تقديمها.
ولتتبع خطاهم ليوم واحد فقط، وسوف تقتنع بأنهم لا يحتاجون إلى مراقب يدفعهم إلى مواصلة العمل؛ فهم يواصلون عملهم وتقدمهم بمبادرتهم الشخصية لأنهم يوجهون جهودهم بأشد أنواع الانضباط الذاتي حزما. وقد يقدرون التوصيات، ولكنهم لا يحتاجون إليها لإلهامهم العمل. وينصتون إلى الانتقاد، ولكنهم لا يخشونه، ولا يشعرون بالإحباط بسببه.
وقد يفشلون أحياناً، أو يعانون إخفاقاً مؤقتاً، مثلما يحدث للآخرين، ولكن الفشل يحثهم وحسب على بذل جهد أعظم.
الانضباط الذاتي
ويواجهون عقبات، كالآخرين، ولكنهم يحولونها إلى منافع يستخدمونها في التوجه نحو تحقيق هدفهم المختار.
وهم يشعرون بالإحباط، مثلما يشعر به الآخرون، ولكنهم يغلقون أبواب عقولهم إحكام خلف الخبرات الأليمة، ويحولون مشاعر الإحباط هذه إلى طاقة متجددة، والتي يكافحون بها نحو تحقيق النصر.
وعندما يتوفى أحد أفراد عائلاتهم، يقومون بدفنه، ولكن لا يدفنون معه إرادتهم التي لا تقهر.
ويطلبون النصح من الآخرين، ويستخلصون منه ما يمكنهم استخدامه، ويذرون البقية، رغم أن العالم كله قد ينتقدهم لحكمهم على الأمور. ويعلمون أنه ليس بمقدورهم التحكم في كل الظروف التي تؤثر على حياتهم، ولكنهم يتحكمون في حالتهم العقلية وردود أفعالهم تجاه كل الظروف، وذلك بالإبقاء على إيجابية عقولهم طوال الوقت. وتختبرهم عواطفهم السلبية، ككل الناس، ولكنهم يبقون سيطرتهم التامة على هذه العواطف بتسخيرها لخدمتهم.
ولنع حقيقة أنه بالانضباط الذاتي يمكن للمرء أن يقوم بأمرين مهمين كليهما أساسي لتحقيق إنجازات باهرة: أما الأول فهو أن المرء قد يتحكم تماما في عواطفه السلبية بتحويلها إلى جهود بناءة، ويستخدمها كإلهام للقيام بمساع عظمى. وأما الأمر الثاني فهو أن المرء قد يحفز العواطف الإيجابية ويوجهها نحو تحقيق أية غاية منشودة. ومن ثم إذا تحكم المرء في كل من العواطف الإيجابية والسلبية، فإن ملكة المنطق لديه ستعمل بحرية، وكذلك ملكة الخيال.
وينال الشخص التحكم في عواطفه تدريجياً، وذلك بتطوير عادات التفكير المؤدية إلى نيل التحكم. ويجب أن تشكل هذه العادات في ظل الظروف الحياتية البسيطة غير المهمة؛ لأن ما قاله قاضي المحكمة العليا الأمريكية "لويس برانديس" ذات مرة حقيقي: "إن العقل كاليد، ينمو بالاستخدام".