من يكتسب القدرة

على تولي السيطرة التامة

على عقله،

يمكنه تولي السيطرة التامة

على كل شيء آخر

يوكل إليه.

- أندرو كارنيجي

 أود الآن أن أكشف عن الطرق التي يمكن للمرء بها تولي زمام عقله. وأبدأ بمقتبس لرجل أثبت صحة كلامه من خلال إنجازاته. ولم يكتسب السيد "كارنيجي" ثروات مادية أكثر من حاجته وحسب، بل اكتسب أيضاً الإحدى عشرة ثروة الأخرى، واكتسب أهم ثروة من الاثنتي عشرة ثروة في الحياة.

   ومن يعرفونه حق المعرفة، ومن عملوا معه عن قرب، يقولون إن أبرز سمة من سماته الشخصية تكمن في حقيقة أنه تولى السيطرة التامة على عقله في مرحلة عمرية مبكرة، ولم يفرط أبداً في أي جزء من حقه في التفكير بطريقته الخاصة.

ويا له من إنجاز، ويا لها من نعمة لو أن كل شخص استطاع القول بصدق: "أنا سيد قراراتي، أنا ربان روحي". وربما أراد الخالق أن يجعلنا هكذا!  ولو لم يكن الأمر كذلك لما اقتصر تحكم البشر على قوة واحدة وحيدة، ألا وهي قوة تفكيرهم. وإننا نجول في الحياة باحثين عن حرية العقل والجسد، ولكن أكثرنا لا يجدها أبداً. لماذا؟ لقد وهب الخالق الوسيلة التي يمكن للناس بها أن يصبحوا أحراراً، ومنح الجميع القدرة على الوصول إليها، وألهم الجميع أيضاً بدوافع ملحة لنيل الحرية.

الانضباط الذاتي

لماذا إذن نسير في الحياة داخل سجن من صنع أيدينا في حين أن مفتاح الباب في متناول أيديناه وهذا السجن هو سجن الفقر، والاعتلال، والخوف، والجهل. والرغبة في نيل حرية العقل والجسد رغبة عالمية سائدة بين جميع الناس، ولكن قل من ينالها لأن أكثر من يبحثون عنها يبحثون في كل مكان عدا المصدر الوحيد الذي تنبع منه - داخل عقولهم.

والرغبة في نيل الثروات تعد أيضاً رغبة عالمية، ولكن أكثر الناس لم يلحظوا الثروات الحقيقية في الحياة لأنهم لا يدركون أن كل الثروات تبدأ في عقولهم.

والآلية التي يعمل بها العقل عبارة عن نظام عميق يتكون من قوى منظمة يمكن تحريرها بوسيلة واحدة فقط، وهذه الوسيلة هي الانضباط الذاتي الحازم. والعقل المنضبط على نحو صحيح والموجه نحو غايات محددة بعد قوة لا تقاوم، وهذه القوة تدرك أنه لا يوجد ما يسمى بالهزيمة الدائمة؛ فهو ينظم الهزيمة ويحولها إلى نصر، ويصنع حجارة للعبور من حجارة العثرة، ويلهمك أن تصوب نحو النجوم.

ومن يسيطر على نفسه بالانضباط الذاتي لا يمكن أن يسيطر عليه الآخرون أبداً! والانضباط الذاتي واحد من الثروات الاثنتي عشرة، ولكنه أكثر من ذلك، فهو متطلب أساسي مهم لنيل كل الثروات، بما في ذلك حرية العقل والجسد، والسلطة والشهرة، وكل الأشياء المادية التي نسميها ثروة.

وهو مفتاح القوة الطيعة للإرادة ومشاعر القلب؛ لأنه الوسيلة التي يمكن بها السيطرة على الإرادة والعواطف وموازنتها - كل واحدة في مقابل الأخرى - وتوجيهها نحو تحقيق غابات محددة بتفكير دقيق.

   وهو القوة الموجهة في عملية المحافظة على الغاية الكبرى المحددة. ومصدر كل المثابرة، والوسيلة التي يمكن للمرء بها اكتساب عادة تنفيذ خططه وأهدافه. والقوة التي تصاغ بها كل العادات الفكرية. والوسيلة التي يمكن للمرء بها تولي السيطرة التامة والكاملة على عقله وتوجيهه نحو أية غايات يرغبها المرء. وهولا غنى عنه في كل صور القيادة.

وهو القوة التي يمكن للمرء أن يصنع بها من ضميره معينا ومرشداً، لا متآمراً.

     وهو الشرطي الذي يمشط العقل ويصفيه للتعبير عن الإيمان، وذلك بسيادة كل المخاوف. ويصفي العقل للتعبير عن الخيال والرؤى الإبداعية. ويذهب الحيرة والشكوك. وهو يساعد المرء على إنشاء وعي بالرخاء وتعزيزه، وهو وعي ضروري لجمع الثروات المادية، ويساعده على إنشاء وعي صحي للحفاظ على صحة بدنية

سليمة، وهو يعمل بالكامل أيضاً من خلال النظام الوظيفي للعقل. لهذا، دعنا نفحص هذا النظام حتى يتسنى لنا تفهم العناصر التي يتكون منها.