في بداية الكساد تقريباً، قامت صاحبة إحدى صالونات التجميل بتهيئة غرفة خلفية بصالونها لرجل عجوز كان بحاجة إلى مأوى. ولم يكن لدى الرجل مال، ولكن كانت لديه معرفة رائعة بطرق تصنيع مستحضرات التجميل.

    وقدمت مالكة الصالون لهذا الرجل مأوى ومنحته فرصة عمل لسداد أجر الغرفة التي يسكنها من خلال تصنيعه لمستحضرات التجميل التي تستخدمها في عملها.

وبعد حين، أقام الاثنان تحالف عقل مدبر قدر له أن يحقق لكل منهما الاستقلال الاقتصادي. وفي البداية، قاما بإنشاء شراكة تجارية، عبارة عن بيع مستحضرات

   التجميل من منزل إلى منزل، فالسيدة تقدم المال اللازم لشراء المواد الخام، ويقوم الرجل بتصنيع المستحضرات.

   وبعد بضع سنوات، أدر تحالف العقل المدبر الخاص بهما كثيراً من الربح لدرجة أنهما قررا أن يجعلا تحالفهما دائما بالزواج، رغم فارق السن الذي يبلغ خمسة وعشرين عاماً.

  وقد عمل الرجل قبل ذلك في مجال صناعة مستحضرات التجميل طوال فترة كبيرة من حياته، ولكنه لم يحقق النجاح. وبالكاد كانت السيدة الشابة تتحصل   على ما يسد نفقاتها من إدارتها لصالون التجميل، والاندماج السعيد بين الاثنين أكسبهما قوة لم يعهداها قبل تحالفهما، وبدآ في تحقيق النجاح المالي.

      وفي بداية الكساد، كانا يصنعان مستحضرات التجميل في حجرة صغيرة واحدة ويبيعانها شخصياً من منزل إلى منزل. وفي نهاية الكساد، ويعد مرور ثماني سنوات، كانا يصنعان مستحضرات التجميل في مصنع كبير كانا قد اشترياه وقاما بسداد ثمنه كاملاً، ولديهما أكثر من مائة موظف يعملون بانتظام، وأكثر من أربعة آلاف مندوب يروجون منتجاتهما في كل أنحاء البلاد. وخلال تلك الفترة، جمعا ثروة تزيد على المليوني دولار، رغم حقيقة أنهما كانا يعملان خلال سنوات الكساد حينما كانت المنتجات الكمالية كمستحضرات التجميل صعبة الرواج.

وقد جمعا في النهاية ما يسد حاجتهما إلى المال لبقية حياتهما. فضلاً عن ذلك، حققا الحرية المالية بناء على المعرفة والفرص ذاتها التي كانت متوافرة         لهما قبل إقامتهما التحالف العقل المدبر الخاص بهما، حين كان كلاهما يعاني الفقر.

 وأود الكشف عن اسمي هذين الزوجين الرائعين، ولكن ظروف تحالفهما وطبيعة التحليل الذي سأقدمه يجعلان هذا الأمر غير عملي. ورغم هذا، لدي مطلق الحرية الوصف ما أرى أنه مصدر إنجازاتهما المذهلة، مستعرضا كل ظروف علاقتهما من وجهة نظر محل محايد يسعى إلى عرض صورة حقيقية للحقائق فقط.

كان الدافع الذي جمع بين هذين الشخصين في تحالف عقل مدبر ذا طبيعة اقتصادية بحتة، وقد كانت السيدة متزوجة برجل آخر فشل في كسب عيشه  وهجرها حينما كان طفلها رضيعا، وكان الرجل متزوجاً أيضاً قبل ذلك.

      ولم تكن هناك أية إشارة إلى وجود عاطفة الحب كدافع لزواجهما الثاني. وكان الدافع المشترك بينهما عبارة فقط عن رغبة في نيل الحرية الاقتصادية.

قانون قوة العادة الكونية

وكان العمل والمنزل المتقن التنظيم الذي يعيش فيه الزوجان تحت سيطرة الرجل العجوز، والذي كان يؤمن بصدق بأنه المسئول عنهما. وكان اسم الرجل مطبوعاً على كل عبوة من عبوات المنتجات التي تغادر المصنع، وكان مطبوعاً بحروف كبيرة على كل شاحنة تسلم البضائع، وكان يظهر بشكل كبير على كل المطبوعات الترويجية وكل الإعلانات المنشورة. وكان من الملحوظ غياب اسم الزوجة تماماً.

    وكان الرجل يؤمن بأنه أقام العمل، وأنه يديره، وأنه لن يسير بدونه. ولكن حقيقة الأمر تناقض هذا تماماً. فالأنا الخاصة به أقامت العمل وتديره، وربما كان من الممكن للعمل أن يستمر على نحو جيد أو أفضل بها أو بدونها، لأن زوجته هي من أنشأت تلك الأنا، وكان باستطاعتها فعل الأمر ذاته مع أي رجل آخر في ظروف مشابهة.

  فبصبر، وحكمة، ونية مسبقة، تمكنت زوجة هذا الرجل من تغذية الأنا الخاصة به بنوع الغذاء الذي أزالت به كل أثر من آثار مشكلاته المعقدة السابقة، والتي ولدت خلال فترة طويلة من الحرمان والفشل. وقد أوحت إلى زوجها بأنه زعيم عظيم من زعماء التجارة والأعمال.

  ومهما كانت درجة الأنا التي امتلكها هذا الرجل قبل وقوعه تحت تأثير سيدة ماهرة، فقد ماتت جوعاً. وقامت هذه السيدة بإحياء هذه الأنا، وربتها، وغذتها ، وطورتها إلى أن صارت قوة هائلة رغم طبيعتها الغريبة وفقدانها القدرة على العمل.

وفي الحقيقة، كل سياسة تجارية، وكل تحرك تجاري، وكل خطوة تقدمية كان المشروع التجاري يتخذها كانت نتيجة أفكار السيدة، والتي قامت بغرسها بعناية  في عقل زوجها لدرجة أنه فشل في إدراك مصدر هذه الأفكار. وقد كانت هي العقل في المشروع التجاري، وكان هو مجرد واجهة مزينة، ولكن كان الاندماج بينهما لا يهزم، حسبما دلت على ذلك إنجازاتهما المالية المذهلة.

   والأسلوب الذي أخفت به هذه السيدة نفسها لم يكن دليلاً مقنعاً على تحكمها التام بنفسها وحسب، بل كان دليلاً على حكمتها أيضاً، فهي ربما كانت تعلم أنه ليس باستطاعتها تحقيق النتائج ذاتها وحدها، أو بأية طرق أخرى غير تلك التي

تبنتها.

   وقد نالت هذه السيدة قدراً قليلاً جداً من التعليم الرسمي، وليست لدي فكرة   كيف أو أين تعلمت إدارة العقل البشري بقدر كاف ليلهمها دمج شخصيتها كاملة مع شخصية زوجها بقصد أن تنشئ في زوجها الأنا التي اكتسبها، وقد تكون البديهة

الطبيعية التي تتمتع بها العديد من النساء هي المسئولة عن عمليتها الناجحة هذه. ومهما كان الأمر، فقد أدت مهمة تامة، وقد ساعدتها هذه المهمة على تحقيق الغايات التي كانت تسعى إليها بأن حققت لها الأمن الاقتصادي.

وها هو دليل على أن الفارق الرئيسي بين الفقر والثراء مجرد فارق بين الأنا التي تهيمن عليها عقدة الشعور بالنقص وبين الأنا التي يهيمن عليها شعور بالبراعة. وربما كان هذا الرجل العجوز سيموت كفقير مشرد لولم تقم تلك السيدة الماهرة بدمج عقلها مع عقله بتلك الطريقة لتغذي الأنا الخاصة به بأفكار وإيمان بقدرته على تحقيق الرفاهية.

وهذه نتيجة لا مهرب منها. فضلاً عن ذلك، فهذه مجرد حالة من بين حالات عديدة يمكن سرد قصصها للبرهنة على أنه لا بد من تغذية الأنا الإنسانية، وتنظيمها، وتوجيهها نحو غايات محددة إذا أراد المرء النجاح في أي مجال من مجالات الحياة.

الأنا المذهلة "هنري فورد"

كانت الأنا الخاصة ب "هنري فورد" - والتي أصبحت شهيرة بسبب ما لا يعرفه الناس على كثرتهم عنها - مزيجا من الأنا الخاصة به وتلك الخاصة بزوجته. فمن الممكن إرجاع الفضل في تمتعه بوحدة الغاية وتفردها، والمثابرة، والاعتماد على الذات، والتحكم بالنفس وهي جوانب واضحة الأهمية جدا في الأنا الخاصة بـ  "فورد" بدرجة كبيرة إلى تأثير زوجته، السيدة "فورد".

والأنا الخاصة ب "فورد" . وهي مختلفة تماما عن الأنا الخاصة بصانع مستحضرات التجميل الذي ذكرته سابقاً - لم تكن باهرة أو باعثة على الزهو بأي شكل من الأشكال، فقد كانت تعمل بروح تنم عن تواضع القلب.

   وخلال حياة "هنري فورد"، لم تكن هناك صور كبيرة له تعلق على جدران مكتبه، ولكن لا شك في أن تأثير السيد "فورد" كان يشعر به كل من يرافقه بصورة مباشرة أو غير مباشرة في إمبراطوريته الصناعية الواسعة، وحتى يومنا هذا، لا يزال هناك شيء ما من السيد "هنري فورد" يكمن في كل سيارة تنتجها مصانعه.

وهذه هي الوسائل التي عبر بها عن الأنا الخاصة به: الإتقان التقني، وخدمات النقل الجديرة بالثقة والتي تقدم بأسعار مناسبة، والرضا الذي يشعر به من تقديم فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لملايين الرجال والسيدات.

قانون قوة العادة الكونية

ولم يكن السيد "فورد" يتعالى عن تقدير ما يبدي له من ثناء، ولكنه لم يحد عن مساره قط ليجتذبه من الناس. ولم تكن الأنا الخاصة به تتطلب الإشباع المستمر، كالذي كان صانع مستحضرات التجميل يناله من زوجته.

   وكانت طريقة السيد "فورد" في الاستفادة بمعرفة الرجال الآخرين وخبراتهم تختلف تماماً عن طريقة "أندرو كارنيجي" وغيره من أقطاب التجارة. وكانت     الأنا الخاصة به متواضعة جداً وغير متكلفة، حيث إنه لم يشجع على إبداء تعليق مرض على عمله، ولم يعد عن مساره بالتعبير عن أي شكل من أشكال الإعجاب بالمجاملات التي تقدم له.

وقد كان لدى "فورد" عقل من أعظم العقول في العالم.

  وقد كان لديه عقل عظيم لأنه تعلم أن يتفهم قوانين الطبيعة، وأن يكيف نفسه معها بأسلوب ينفعه، ولكن عديداً من الناس كانوا يعتقدون أن عظمته مشتقة إلى حد كبير من تأثير زوجته وعلاقته بأصحاب عقول عظيمة آخرين من بينهم "توماس إيه. إديسون"، و"لوثر بر بانك"، و"جون بوروز"، و"هارفي فايرستون"،  وهم الذين أقام معهم تحالف عقل مدبر دام لعدد كبير من السنوات.

   وطوال عدة سنوات، ظل هؤلاء الرجال الخمسة يتركون أعمالهم وتجاراتهم ويذهبون معاً إلى بقعة هادئة يتبادلون فيها الأفكار ويغذي كل منهم الأنا الخاصة به بالغذاء الذي يحتاج إليه ويلتمسه.

    وبدأت شخصية "هنري فورد"، وسياساته التجارية، بل ومظهره الخارجي      في التطور بوضوح من عام إلى عام بفضل مرافقته هؤلاء الرجال الأربعة. وكان تأثيرهم فيه محدداً، وعميقاً، وشديداً، ودائما.ً

وكان "هنري فورد" يتحكم في الأنا الخاصة به تحكماً تاماً. ومن خلال دراسة أصحاب الإنجازات العظيمة، يمكن للمرء ملاحظة أن الحيز الذي يشغلونه في هذا العالم يتناسب تناسباً طردياً مع مدى هيمنتهم على الأنا الخاصة بكل منهم.

   ولم يشغل صانع مستحضرات التجميل حيزا تحكم فيه سوى ذلك الحيز الذي كان يشغله بتجارته ومنزله. ولم يتجاوز حيزه تلك الحدود، وما كان له ذلك. وتوجهه العقلي هومن وضع هذه الحدود وثبتها، وقد جعلت قوة العادة الكونية هذا الثبات دائماً.

  وقد شغل "فورد" بصورة ما كل حيز في العالم تقريباً، وأثر بطرق عديدة في مجرى الحضارة كلها. ونظراً لأنه كان سيداً مسيطراً على الأنا الخاصة به، فقد

كان قادراً على اكتساب أي شيء مادي يركز قلبه عليه.

وقد عبر صانع مستحضرات التجميل ذلك من الأنا الخاصة به بأشكال عديدة سخيفة غاية في الأنانية. ونتيجة لذلك قصر تأثيره على جمع بضعة ملايين من الدولارات، وعلى التحكم في بضع مئات من الأشخاص (دون موافقتهم)، ويشمل ذلك منزله وموظفيه.

     أما "هنري فورد" فقد عبر عن الأنا الخاصة به بصورة شاملة ومتزايدة   المنفعة للبشر، ووجد نفسه - دون طلب - عاملاً مؤثراً في العالم كله. وهذه فكرة مذهلة! فهي تقدم اقتراحات ذات أهمية حيوية فيما يتعلق بنوع الأنا التي ينبغي على المرء السعي إلى اكتسابها.

   وقد اكتسب "فورد" أنا حوَّلت نفسها إلى خطط شملت العالم كله. وقد فكر     في تصنيع ملايين السيارات وترويجها، وفي توظيف عشرات الآلاف من الرجال والنساء، وفي اكتساب رأس مال يقدر بملايين الدولارات، وفي السيطرة على التجارة بإنشاء سياسات خاصة به لتشغيل رأس المال فيمكنه بها إبقاء تجارته بعيدة عن سيطرة الآخرين. وفكر في الاقتصاد من خلال تنسيق جهود آلاف الرجال والنساء العاملين لديه، وبوضع جدول رواتب وتهيئة ظروف عمل أكثر إرضاء لموظفيه مما يطلبونه. وفكر في التعاون المتناغم بينه وبين مرافقيه، وتفعيل أفكاره من خلال إقصاء كل من لا يتوافق معه عن مؤسسته.

وهذه هي الصفات والسمات الشخصية التي أنمت، وغذت، وحافظت على الأنا الخاصة ب "فورد". وليس هناك شيء يصعب فهمه في هذه الصفات، وهي صفات يمكن لأي شخص اكتسابها بمجرد تبنيها واستخدامها.

  ولتحول دائرة الضوء إلى عديد ممن بدءوا في تصنيع السيارات بعد "فورد"، وادرس كل واحد منهم بعناية وسوف تعرف سريعاً لماذا لا يتذكر المرء سوى القليل منهم أو من العلامات التجارية الخاصة بالسيارات التي ينتجونها.

      وسوف تكتشف أن كل منافسي "فورد" الذين فشلوا ما أصابهم الفشل إلا بسبب القيود المفروضة ذاتياً على الأنا الخاصة بكل منهم، أو بسبب الإسراف في إشباعها. وسوف تكتشف أيضاً أن كل واحد من أولئك المخترعين المنسيين لديه من الذكاء بقدر ما لدى "فورد". ولم يكن لدى أكثرهم حظ من التعليم أفضل مما لديه وحسب، بل كانت لديهم شخصيات أكثر ديناميكية منه أيضاً.

قانون قوة العادة الكونية

    والفارق الرئيسي بين "هنري فورد" ومنافسيه في الماضي هو أنه اكتسب أنا مدت نفسها إلى ما هو أبعد من إنجازاته الفردية؛ بينما كانت الأنا الخاصة بكل من الآخرين محدودة لدرجة أنهم سرعان ما لحقوا بها، وتحطمت خططهم لحاجتها   في هذا الشيء الذي تقوم به الأنا المرنة الشاملة لكي يتقدم المرء إلى التقدم.

 والأنا المتوازنة لا تخضع للتأثير الخطير للتزكية أو الإدانة. فصاحب الأنا المتوازنة يضبط أشرعته صوب غاية كبرى محددة، ويحرك المبادرة الشخصية  نحو تحقيق هذه الغاية، ولا يحيد ببصره عنها أبداً، ويتقبل الهزيمة والنصر كأمور طبيعية أساسية في الحياة، ولكن لا يسمح لهما بتعديل خططه المستقبلية.

 وأنت يا من تتعلم كيفية استيعاب الفلسفة يمكنك الوصول إلى تلك الحال بالأسلوب ذاته. ولديك - في السبعة عشر مبدأ من مبادئ النجاح - كل ما تحتاج إليه لامتلاك المفتاح الرئيسي!

   ولديك الآن كل المعرفة العملية التي استخدمها الناجحون منذ فجر الحضارة حتى الآن.

    وهذه فلسفة تامة خاصة بالحياة، وهي كافية لإشباع كل الحاجات البشرية، وفيها السر الذي يحل كل المشكلات البشرية. وقد عرضت بلغة يمكن لأكثر الناس بساطة فهمها.

   وقد لا تشعر بالإلهام لأن تصبح نجماً مؤسسيا أو حكومياً، ولكن يمكنك أن تشعر بالإلهام - ويجب عليك ذلك - لتجعل نفسك نافعاً لكي يمكنك أن تشغل حيزاً أكبر في هذا العالم بقدر ما ترغب الأنا الخاصة بك. ويتشبه الجميع في  النهاية بمن يتركون أكبر انطباع في الأنا الخاصة بهم، فجميعنا مخلوقات تميل إلى التقليد، ونسعى بصورة طبيعية إلى تقليد الأبطال الذين نختارهم. وهذه سمة طبيعية وصحية.

ومن أبطالهم ذوو إيمان عظیم محظوظون، لأن التقليد التام للأبطال يحمل في بقاياه شيئا من طبيعة البطل المقلد.