س: هل يوجد خط فاصل بين الحُزن الطبيعي وبين الاكتئاب النفسي كحالة مرضية؟
ج : من الأهمية التفرقة بين الحزن وهو من الانفعالات الإنسانية المعتادة عند التعرض لموقف يدعو إلى ذلك مثل الأسى على فراق عزيز او فقد الممتلكات أو الخسارة المادية أو المعنوية، وبين الاكتئاب النفسي كحالة مرضية لها خصائصها وأسبابها وتظاهرها رغم وجود اوجه للشبة والتماثل بين الحالتين في المظهر العام للشخص الحزين والمكتئب.
وأوجه الخلاف هو أن مرض الاكتئاب لا يتطلب في كل حالة وجود سبب واضح لحدوت الحالة، وإذا وجد هذا السبب وهو في الغالب التعرض لأي من ضغوط الحياة ظهرت بعده أعراض الاكتتاب فإن هذا السبب لا يكون من الضخامة بحيث يتناسب مع حالة الاكتئاب الشديدة التي يعاني منها الشخص.
كما أن أعراض ومظاهر الاكتئاب تستمر لمدة طويلة رغم أن العامل المسبب لها تكون أثاره قد تلاشت وانتهت، وعلاوة على ذلك فإن الاكتئاب يختلف عن رد فعل الحزن المعتاد الذي يشعر به أي شخص في أنه عميق التأثير على الحالة العامة للإنسان، وطاقته ودوافعه وتفكيره، ووظائفه النفسية والجسدية واهتماماته وشخصيته، وكل نواحي حياته بصفة عامة.
س : ما هي الاضطرابات الوجدانية، وهل يمكن أن يجتمع الاكتئاب مع الهوس في مريض واحد؟
ج : الاضطرابات الوجدانية affective disorders هي حالات تتغير فيها الحالة المزاجية بصورة مرضية ويتتبع ذلك مظاهر عقلية وسلوكية، ومن أنواعها حالات القلق Anxiety، والاكتئاب Depression، والهوس Hypomania , Mania ، ويمكن أن تجتمع هذه الحالات في مريض واحد رغم التناقض الواضح في أعراضها.
مظاهر الأعراض بين الإكتئاب والهوس :
- يبدو مريض الاكتئاب هادئا في حالة بؤس وانكسار، بينما تبدو مظاهر الانطلاق والطاقة والنشاط والمرح والإقبال على الحياة واضحة في حالة الهوس .
- يتحدث مرضى الاكتتاب بصوت منخفض حزين بينما يميل مرضی الهوس إلى الثرثرة وكثرة الكلام في موضوعات شتى .
- بطء التفكير والتبلد والتردد من علامات الاكتئاب بينما تتزايد أفكار مرضی الهوس وتتنوع في تدفق هائل دون التحكم مع الإقدام والجرأة الزائدة.
- يميل مرضى الاكتتاب إلى التشاؤم والتفكير السلبي واتهام النفس بينما تزيد ثقة مرضى الهوس في أنفسهم مع شعور زائف بالعظمة، وخلال نوبة الهوس تزيد القابلية لأنفاق الأموال في شراء أشياء لا لزوم لها، أو مشروعات وهمية تحت تأثير الحالة . وقد تتبادل نوبات الاكتئاب مع نوبات الهوس فی نفس المريض وهو في كل حالة عكس وضعه في الحالة الأخرى.
س : هل ترتبط الإصابة ببعض الأمراض العضوية أو استخدام بعض أنواع الأدوية بحدوث الاكتئاب؟
ج: من خلال الملاحظة تبين ارتباط مرض الاكتئاب ببعض الأمراض العضوية حيث يصحب الإصابة بالاكتئاب، ومن ذلك بعض أنواع الحمى الفيروسية مثل الأنفلونزا وفيروس الكبد حتى بعد الشفاء منها، وكذلك بعض أنواع الأمراض المعدية والحالات المزمنة والمستعصية مثل الدرن والسرطان.
كما توجد قائمة طويلة من الأدوية يمكن أن تسبب الاكتئاب كاحد الآثار الجانبية لاستخدامها منها على سبيل المثال أدوية علاج ارتفاع ضغط الدم، وبعض الأدوية النفسية التي تستخدم في علاج الأمراض العقلية مثل مضادات الذهان Antipsychotics، وبعض العقاقير التي تستخدم كمواد للإدمان.
س : أين وكيف يتم علاج مرضى الاكتئاب ؟
ج : لا توجد ضرورة لإدخال مرضى الاكتاب للعلاج داخل المستشفيات والمصحات العقلية في الغالبية العظمى من الحالات، وذلك باستثناء الحالات الشديدة المصحوبة بميول انتحارية او عدوانية تتضمن خطورة المريض على نفسة أولا أو على الآخرين فتتطلب الحالة لن يبقى تحت ملاحظة دقيقة.
والخطوط الرئيسية لعلاج الحالات هي استخدام وسائل العلاج النفسي، مثل المساندة والتطمين، والعلاج المعرفي بتغير طريقة المريض في تفسير حالتة ليتحول تفكيرة إلى النواحي الإيجابية بدلا من التركيز على السلبيات ويتم ذلك في صورة جلسات فردية أو جماعية، والعلاج البيئي بتغيير الظروف المحيطة واستخدام الترويح، حيث تنجح هذه الوسائل في نسبة من الحالات.
وفي الحالات الأخرى يتطلب الأمر استخدام الأدوية النفسية المضادة للإكتئاب Antidepressants أو العلاج بالصدمات الكهربائية التي يتم من خلالها تنظيم إيقاع المخ في الحالات الشديدة التي تزيد فيها الميول الانتحارية.
س: كيف يتم الاختيار من بين الأدوية النفسية المختلفة لكل حالة من حالات الاكتئاب؟
ج: توجد قائمة طويلة للأدوية المضادة للاكتتاب في مجموعات مختلفة منها:
- الأدوية ثلاثية الحلقات (TCA) التي تضم الأنواع التقليدية مثل امتربتلين (تربتزول)، وأميرامين (تفرانيل)، وكلومبرامين (أنافرانيل)، وتتميز هذه الأدوية بالثمن المنخفض لكن استخدامها يتسبب في اثار جانبية مثل الكسل والنعاس، وزغللة العين، وجفاف الحلق، وسرعة ضربات القلب، والامساك وزيادة الوزن.
- العقاقير المثبطة لانزيم MAO ومنها أدوية قديمة ينطوي استخدامها على مخاطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأثار ضارة عند تناول المعلبات والموز وبعض مشتقات الألبان وكثير من الأدوية الأخري، وقد ظهر جيل جديد منها له نفس الفاعلية دون أثار جانبية خطيرة.
- الجيل الجديد من أدوية الاكتئاب التي تزيد من مادة السيروتونين ونعرف اختصارا SSRI والتي تزيد من مادة ابنفرين واختصارها SNRI ومنها دواء فلوكستين (بروزاك)، وفلوفكسامين (فافرين) وفنلافكسين (افكسور) وتتميز بأثار جانبية أقل من الأدوية السابقة، كما أن مفعولها المضاد للاكتئاب يبدأ خلال أسبوع فيكون أسرع من الأدوية السابقة التي تحتاج إلى 3 أسابيع لييدا تأثيرها .
والقاعدة في اختيار الدواء المناسب لكل حالة من حالات الاكتئاب تعتمد على نوع الاكتئاب وشدة الحالة وتكلفة العلاج وغير ذلك من العوامل التي تتعلق بالمرض والمريض والدواء، والتي تخضع لتقييم الطبيب المعالج .
س: هل يشفى مريض الاكتئاب ؟
ج : كثير ما يسال المرضى وأقاربهم عن الشفاء الكامل من مرض الاكتئاب حين تكون الحالة في نوباتها الشديدة، والحقيقة أن الشفاء أولا واخيرا من عند الله سبحانه وتعالي، وتوجد مؤشرات إيجابية في الطب النفسي تتعلق بقابلية الحالة للشفاء مثل الحالات التي تبدأ فجأة دون وجود تاریخ مرضي سابق لنوبات قديمة، وبدء العلاج مبكرة دون تأخير، وفي حين يكون المريض في حالة سابقة من الإستقرار في العمل والعلاقات الاجتماعية وتتميز بصفات شخصية معتدلة.
أما المؤشرات السلبية التي تدل على تأخر الشفاء وصعوبة العلاج فهي وجود حالات اكتتاب أخرى في الأسرة بما يشير إلى عوامل وراثية، والتفكك الأسري، والمرض العضوي المصاحب، والضغوط الاجتماعية والنفسية المستمرة دون وجود عون أو مساندة.
ويحقق العلاج بالأدوية الحديثة نتائج تصل إلى نسبة شفاء تعادل 80 % من الحالات، ونحن نوصي بالتمسك بالتفاؤل والأمل والرضا، وقبول الحياة لتجنب الاستلام للاكتتاب..
كما أن دور الإيمان القوي بالله تعالى والالتزام بالدين والقيم الخلقية له تأثير إيجابي في الوقاية والشفاء من الإكتئاب وغيرة من الاضطرابات النفسية.