لكي لا تحدث إساءة فهم فيما يتعلق بما يعنيه مصطلح "الأنا المطورة على نحو صحيح"، يلزم أن أصف باختصار العوامل التي تتدخل في تطويرها.
أولا: يجب على المرء أن يقيم تحالفات مع أناس مستعدين أن ينسقوا بين عقولهم وعقله بروح من الانسجام التام من أجل تحقيق غاية محددة، ويجب أن تكون التحالفات دائمة وفعالة.
فضلا عن ذلك، يجب أن يتكون التحالف مع أناس ذوي سمات روحانية وعقلية، وتعليم، وجنس، وعمر مناسبين للمساعدة على تحقيق الغاية من التحالف. على سبيل المثال، كان تحالف العقل المدبر الخاص به "أندرو كارنيجي" يتكون مما يزيد على العشرين شخصا، وكل واحد منهم أدخل على التحالف بعض السمات العقلية، أو الخبرة، أو التعليم، أو المعرفة التي كانت تتعلق تعلقا مباشرا بموضوع التحالف ولا توجد لدى بقية أعضاء التحالف.
قانون قوة العادة الكونية
ثانياً: بعد إخضاع المرء نفسه التأثير الرفاق المناسبين، يجب عليه تبني خطة محددة يمكنه بها تحقيق الهدف من التحالف والمواصلة في تنفيذ هذه الخطة. وقد تكون هذه الخطة خطة مركبة صاغتها الجهود المشتركة لكل أعضاء جماعة تحالف العقل المدبر.
وإذا أثبتت إحدى الخطط عدم سلامتها أو صلاحيتها، يجب على الآخرين تعديلها أو تبديلها، إلى أن يجدوا خطة ناجحة. ولكن يجب عدم تغيير الغاية من التحالف.
ثالثاً: يجب على المرء أن ينأى بنفسه عن دائرة تأثير كل شخص أو كل ظرف يشعره ولو بقدر يسير بعدم البراعة أو عدم القدرة على تحقيق غايته؛ فالأنا الإيجابية لا تنمو في البيئة السلبية. وعند هذه المرحلة لن يكون هناك عذر للتسوية، والفشل في ملاحظة ذلك سيكون وخيم الأثر على فرص النجاح.
ويجب أن تحد حدود واضحة بين الشخص وبين من يمارسون أي شكل من أشكال التأثير السلبي عليه حتى يكون الباب موصدا بإحكام أمام كل تأثير سلبي، مهما كانت روابط الصداقة، أو الالتزامات، أو صلات الدم بينهم.
رابعا: يجب على المرء أن يغلق الباب بإحكام أمام أي تفكير في خبرة أو ظرف ماض يشعره بعدم البراعة أو التعاسة، فالأنا القوية الحيوية لا يمكن اكتسابها بالقبوع بين الأفكار المتعلقة بالخبرات الماضية المثيرة للضيق، فتحيا الأنا القوية على الأمال والرغبات المتعلقة بالأهداف التي لم تحقق بعد.
والأفكار هي اللبنات التي تشيد منها الأنا الإنسانية. وقوة العادة الكونية هي الملاط الذي يربط هذه اللبنات ما على الدوام، وذلك من خلال العادات الراسخة. وعندما تنتهي مهمة البناء، فهذا البناء يمثل- من خلال أصغر التفاصيل - طبيعة الأفكار التي يتكون منها.
خامساً: يجب على المرء أن يحيط نفسه بكل الوسائل المادية الممكنة التي ترسخ في العقل طبيعة الأنا التي يكتسبها والغاية منها. على سبيل المثال، ينبغي على المؤلف أن يقيم ورشة عمل في حجرة مزينة بصور وأعمال المؤلفين في المجال الذي يعجبه أكثر من غيره. ويجب أن تكون أرفف الكتب مليئة بكتب ذات علاقة بعمله. وينبغي عليه أن يحيط نفسه بكل وسيلة ممكنة لينقل إلى الأنا صورة الشخص التي يتوقع تجسيدها، لأن تلك الصورة هي النمط، الذي سيختاره قانون قوة العادة الكونية، والصورة التي سيحولها إلى معادلاتها المادية.
سادسا: يجب أن تخضع الأنا المطورة على نحو صحيح لسيطرة المرء دائما. ويجب ألا أن يحدث تضخيم للأنا، فيصل المرء إلى مرحلة "الهوس بالذات"، والذي يدمر به البعض أنفسهم.
وفي عملية تطوير الأنا، ربما يفضل أن يكون شعار المرء هو "لا إفراط ولا تفريط في أي شيء". فعندما يبدأ الناس في التعطش إلى السيطرة على الآخرين، أو جمع كميات ضخمة من المال الذي لا يمكنهم استخدامه على نحو بناء، فاعلم أنهم يسيرون على أرض خطرة. وهذا النوع من السلطة ينمو طوعا وسرعان ما يخرج عن السيطرة.
وقد قدمت الطبيعة للناس صمام أمان يمكنهم به تقليص الأنا وتنفيس ضغوط تأثيرها عليهم عندما يتخطى الواحد منهم حدودا معينة في اكتسابه للأنا. وقد أسماه "إميرسون" بقانون التسوية، ولكن مهما كانت طبيعته فهو يعمل بحتمية
ثابتة.
وقد بدأ "نابليون بونابرت" في الاحتضار بسبب الأنا المحطمة الخاصة به - فور نفيه إلى جزيرة سانت هيلينا. ومن يتركون العمل ويتقاعدون عن كل أنواع الأنشطة، بعد قيادة حياة نشطة، عادة ما تضمر أجسادهم وسرعان ما يموتون بعدها. ولو ظلوا على قيد الحياة، فعادة ما تكون حياتهم بائسة وتعسة. والأنا الصحيحة هي تلك التي تظل دائما مستخدمة وخاضعة للسيطرة التامة.
سابعا: تظل الأنا في تغير مستمر - للأفضل أو للأسوأ - بسبب طبيعة عادات المرء الفكرية. والعاملان اللذان يدفعان إلى هذه التغيرات هما عامل الوقت وقانون قوة العادة الكونية. وأنبهك إلى أهمية الوقت كعامل مهم في عمل قوة العادة الكونية، فمثلما تحتاج البذور المزروعة في التربة إلى فترات زمنية محددة لإنباتها، وتطورها، ونموها، تحتاج الأفكار، وتحفيز التفكير، والرغبات المزروعة في العقل إلى فترات زمنية محددة ليمنحها قانون قوة العادة الكونية الحياة والنشاط.
وليست هناك وسيلة كافية لوصف أو تحديد الفترات الزمنية المطلوبة لتحويل الرغبات إلى معادلاتها المادية. وطبيعة الرغبات، والظروف المتعلقة بها، وشدة هذه الرغبات كلها عوامل تحدد الوقت المطلوبة لتحويل الرغبات من مرحلة التفكير إلى مرحلة التنفيذ المادي.
قانون قوة العادة الكونية
والحالة العقلية المعروفة باسم الإيمان تساعد كثيرا في عملية التحويل السريع الرغبات إلى معادلاتها المادية لدرجة أنها اشتهرت بكونها قادرة على جعل هذا تتحول آلي تقريباً.
ويصل البشر إلى مرحلة النضج الجسدي في غضون عشرين عاما تقريبا، أما تنضج العقلي - الذي يعني الأنا - فيستغرق من خمسة وثلاثين عاما إلى ستين. وهذه الحقيقة توضح لم نادرا ما يبدأ عديد من الناس في جمع الثروات المادية كميات وفيرة، أو تحقيق سجل مذهل من الإنجازات في مناح أخرى، قبل أن يبلغوا خمسين من أعمارهم تقريبا.
والأنا التي تستطيع إلهام الناس اكتساب الثروات المادية العظيمة والحفاظ عليها هي أنا ضرورية خضعت للانضباط الذاتي، والتي يكتسب المرء من خلالها ثقته بذاته، وغاية محددة، ومبادرة شخصية، وخيالا، ودقة في الحكم، وغيرها من الصفات، والتي بدونها لن يكون لنا القدرة على تحصيل الثروات بكميات وفيرة والمحافظة عليها.
وهذه الصفات تكتسب من خلال الاستخدام السليم للوقت. ولتلاحظ أنا لم نقل إنها تكتسب بمرور الوقت. ومن خلال عمل قوة العادة الكونية، كل عادات المرء الفكرية - سواء أكانت سلبية أم إيجابية، أو خاصة بالرخاء أم الفقر - ينسج منها
لأنا، ومن هنا تمنح شكلها الدائم، والذي يحدد طبيعة الحالة الروحانية والمادية المرء ومداها.