يهتم المنظور الاسلامي بالجوانب الروحية والمادية في حياة الانسان ويضمن تحقيق التوازن بينها والاضطرابات النفسية هي خلل في الاتزان النفسي ينتاب الانسان نتيجة للصراع الداخلي في نفسه بين قوى الخير والشر، أو بين المثل العليا والرغبات الانسانية الجامحة وفي تعاليم الدين الإسلامي ما يضمن الوقاية من الاضطرابات النفسية ومنها الاكتئاب وحل الصراعات الداخلية مما يؤدي الى الشفاء والعلاج، وتركز تعاليم الدين الإسلامي على التنشئة السوية للانسان وغرس القيم والأخلاق القويمة التي تحقق السلوك السوي والاتزان النفسي، فالمسلم يجب أن يؤمن بالله سبحانه وتعالى وبالقدر خيره وشره، ويجب أن يعبد الله سبحانه وتعالى ويذكره في كل المواقف وذكر الله يوفر للواحد منا مقدارا دائما من الطمأنينة والسلام النفسي في مواجهة ما يتهدده من أمور الحياة .
المنظور الاسلامي لأسباب الاكتئاب :
تعتبر الصراعات الداخلية هي الأساس في المشكلات والمتاعب النفسية : التي يعاني منها الانسان، ويصف القران الكريم هذه الصراعات في بعض المواضع ومنها الأيات :
"ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" هود 118
"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" البقرة 251
"ولتبولنكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين" البقرة 155
وتتطرق أيات القران الكريم إلى مناقشة وتوضيح المواقف التي ينشا عنها الاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية مثل إنشغال الانسان على المال والابناء والمستقبل وحالتة الصحية، وكذلك الوساوس التي تتسلل إلى نفسه ويستخدمها الشيطان للسيطرة عليه، ويتسبب ذلك في شعور الهم والكآبة أو الاستسلام للجزع أو اليأس، ولنتامل معا في قوله تعالى :
" الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه .."
"المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا"
ولما كانت الخسارة المادية هي السبب الرئيسي في حدوث الاكتئاب لدى كثير من الناس كما ورد في فصول هذا الكتاب وكذلك المكاسب التي يحصلون عليه والتي تتسبب في شعورهم بالغرور وعدم الاتزان والنتائج في كل هذه الحالات سلبية فقد ورد وصف لذلك في آيات القران الكريم :
"لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم"
كما وردت في السنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلی مشاعر الإثم والندم التي قد تتملك البعض من الناس نتيجة لارتكابهم بعض المخالفات التي لا ترضى عنها فطرتهم السليمة، ويصف ذلك بوضوح وباسلوب بسيط مفهوم الحديث الشريف :
"البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس"
الأيمان بالله في مواجهة الاكتئاب :
للإيمان القوى بالله تعالی دور هام في الوقاية والعلاج من الاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخري، فالمؤمن يثق في الخالق سبحانه وتعالى، ويجد دائما المخرج من الهم وحل للأزمات التي تواجهه بالاتجاه إلى الله تعالى وهو يعلم أن الله سبحانه خالق كل شيء وهو الذي يبث البلاء ويكشف، و رد فعل المؤمن إذاء ضغوط الحياة يكون بالرجوع إلى الله تعالى وهو الأسلوب الأمثل لمواجهة مواقف الحياة العصيبة، قال تعالى :
" الذين إذا أصابتهم مصيبه قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون"
فالتوكل على الله والاتصال به على الدوام عن طريق الذكر والصلاة يؤدي إلى الوقاية والخروج من الهم كما أن الصبر على البلاء يؤدي إلى التحمل دون الاستسلام لليأس، قال تعالى :
"واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور "
"وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم"
كما يضع القران الكريم حلولا ايمانيه لمواجهة أسباب الاكتتاب منها ما ورد في الآيات الكريمة :
"خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"
"ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوه كانه ولي حميم"
المنظور الاسلامي للشفاء النفسي :
يؤدي الالتزام بروح الدين والعقيدة في التعامل مع النفس ومع الاخرين والرجوع الى تعاليم الشريعة في كل السلوكيات الى الأمانة والجدية في العمل والمعاملة ،والتحلي بالصبر، والتسامح والمحافظة على حالة من الصحة البدنية والنفسية بالابتعاد عن المحرمات، ويؤدي ذلك إلى شعور داخلی بالراحة النفسية في مواجهة مشاعر الذنب والاكتتاب وفي القرآن والسنة ما يرشد المؤمنين إلى وسائل العلاج والشفاء لما يصيب الإنسن من أمراض الجسد والنفس، قال تعالى :
"يا أيها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين"
"وإذا مرضت فهو يشفين"
وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الخطوات للتخلص من مشاعر القلق والاكتئاب وتحقيق إتزان النفس منها قوله صلى الله عليه وسلم :
" لا تغضب "
وتوجيهه صلى الله عليه وسلم إلى
" إنتظار الصلاة بعد الصلاة"
والأمر باصدقة التي
"تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار"
وقوله الذي ورد في حديث أخر
"وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن"
وكل هذه الخطوات البسيطة من شأنها أن تخفف من مشاعر القلق والاكتتاب بصورة عملية وتؤدي إلى سكينة النفس، وهي علاج يسير وفعال لا يتكلف شيء وعلى كل منا أن بجربه وهو على ثقه في الشفاء بإن الله تعالي.
وكما يقدم لنا المنظور الاسلامى النموذج الذي يكفل لنا الوقاية من الاضطرابات النفسية فإنه يقدم أيضا العلاج لما يمكن أن يصيب الإنسان من امراض واضطرابات وقد ثبت من خلال التجربة أن تقوية الوازع الديني، والجوء إلى الله، والتمسك بالعقيدة، والإيمان القوي بالله تعالى من الأمور التي تفيد عملية في علاج حالات الاكتئاب وقد اجريت الأبحاث للمقارنة بين الأشخاص الذين يتمتعون بعقيدة قوية ويحافظون على العبادات ولديهم ایمان قوی بالله تعالی مقارنة بغيرهم تتبين أن قابليتهم للشفاء والتغلب على اعراض الاكتئاب اكثر من المجموعات الأخرى رغم استخدام نفس انواع العلاج الطبي في كل الحالات .