إن مصطلح "قوة العادة الكونية" مفسر لذاته. فهي قوة تعمل من خلال عادات راسخة. وكل كائن حي يقل ذكاؤه عن ذكاء الإنسان يتكاثر ويؤدي مهمته الدنيوية كاستجابة مباشرة لقوة المادة الكونية من خلال ما نسميه ب "الغريزة".
والبشر وحد. هم نالوا ميزة الاختيار فيما يتعلق بالعادات المعيشية، ويمكنهم تصحيح هذه العادات بواسطة أنماطهم الفكرية، وهي الميزة الوحيدة التي منح المرة الحق الكامل في التحكم فيها.
وقد يفكر البشر في إطار القيود المفروضة ذاتياً للخوف، والشك، والحسد ، والطمع، والفقر، وسوف تترجم قوة العادة الكونية هذه الأفكار إلى معادلاتها المادية. أو فيد يفكر المرء بشأن الوفرة والرخاء، وهذا القانون ذاته سوف يترجم هذه الأفكار إلى معادلاتها المادية. وعلى هذا النحو يمكن للمرء التحكم في مصيره الدنيوية بدرجة مذهلة، وذلك بمجرد ممارسة امتياز تشكيل أفكاره الخاصة. ولكن بمجرد تشكل هذه الأفكار في نماذج محددة، يتولاها قانون قوة المادة الكونية ويحولها إلى عاداته دائمة، وتظل كذا ما لم تبدل نماذج فكرية مختلفة وأقوى بها.
والآن، وصلنا إلى تأمل حقيقة من أكثر الحقائق عمقا، حقيقة أن أكثر من يصلون إلى أسمى مر نسبة النجاح نادرا ما يصلون إليها دون أن يمروا بمأساة أو موقف طارئ يتغلغل في أعماق أرواحهم ويصل بهم إلى ذلك الظرف الحياتي المسمى ب " الفشل".
ويمكن لمن يتفهمون قانون قوة العادة الكونية إدراك السبب في هذه الظاهرة الغريبة بسهولة، لأنه يكمن في حقيقة أن هذه المصائب والمآسي الحياتية تسهم في كسر العادات الثابتة - أي العادات التي أدت في النهاية إلى نتائج الفشل المحتومة - ومن ثم يتخلص المرء من قبضة قوة العادة الكونية، ويتيح لهذه "الإخفاقات" أن تكون عادات جديدة وأفضل.
ونرى هذه الظاهرة ذاتها في نتائج الحروب. فعندما لا تنسجم جهود أمم أو جماعات كبرى من الناس مع الخطة المقدسة الخاصة بالطبيعة، فإنهم يجبرون على كسر عاداتهم من خلال حروب أو ظروف مزعجة مماثلة مثل الكساد التجاري أو الأوبئة، لكي يمكن القيام بين اية جديدة تكون أكثر مطابقة لنظام الطبيعة المطلق الشامل.
قانون قوة العادة الكونية
وهذه النتيجة تيست بمثابة تعليل للحروب وانما اتهام للبشر بتجاهلهم لقانون. لو عم تفهمه واحترامه العالم كله، تجعل الحروب غير ضرورية ومستحيلة.
وتنشب الحروب نتيجة عدم انسجام العلاقات الإنسانية. وعدم الانسجام هذا ينتج عن أفكار سلبية تنامت حتى صارت تكتلات عظيمة. وروح أية أمة هي مجمل العادات الفكرية السائدة بين شعبها.
ويصدق الأمر ذاته على الأفراد، فهنا أيضا تتحدث روح الفرد من خلال عاداته الفكرية السائدة. وأكثر الناس يخوضون حروباً - بطريقة ما أو بأخرى - طوال حياتهم. فهم يخوضون حروباً مع أفكارهم وعواطفهم المتضاربة، ويخوضون حروباً داخل علاقاتهم الأسرية وداخل علاقاتهم الوظيفية والاجتماعية.
ولتع هذه الحقيقة وسوف تتفهم القوة الحقيقية والمنافع المتاحة لمن يحيون وفقاً لهذا القانون الذهبي، لأن هذا القانون العظيم سيقيهم من صراعات الحروب الشخصية.
ولتع هذا الأمر، وسوف تتفهم أيضاً القصد والمنافع الحقيقية من الغاية الكبرى المحددة، لأنه بمجرد أن تترسخ تلك الغاية في الوعي بالعادات الفكرية للمرء، فسوف تتولاها قوة العادة الكونية وتصل بها إلى نتائجها المنطقية، بأية وسيلة عملية ربما تكون متاحة.
ولا تقترح قوة العادة الكونية على المرء ما يجب عليه أن ينشده، أو ما إذا كان ينبغي أن تكون عاداته الفكرية إيجابية أو سلبية، بل تعمل وفق كل العادات الفكرية المرء من خلال بلورتها إلى درجات متنوعة من الدوام، وتحويلها إلى معادلاتها المادية، وذلك عبر التحفيز الإلهامي للعمل.
قوة "التفكير الجماعي"
من قوة العادة الكونية لا ترسخ العادات الفكرية الخاصة بالأفراد وحسب، بل ترسخ يا العادات الفكرية الخاصة بالجماعات وجماهير الناس، وفقا للنموذج الذي مؤسسه أفكارهم الفردية السائدة. على سبيل المثال، بدأ العالم كله بعد انتهاء
حرب العالمية الأولى بوقت قصير يتحدث عن "الحرب التالية" إلى أن تبلورت تلك الحرب في صورة فعلية.
وعلى المنوال ذاته، يستمر التفكير في الأوبئة والحديث عنها إلى أن تشغل لها محلا في حيز الوجود. ففي الماضي، عندما كانت وزارة الصحة بمدينة ما تبدأ
في عادة لصق علامات مكتوبة بأحرف كبيرة حمراء تطلب من الناس توخي الحذر الانتشار أمراض ما، فإن وباء تلك الأمراض المعينة يتجلى بعدها كتعبير عن هذا الفكر. ومن المؤكد أن يليه.
وهنا أيضا، تنطبق القاعدة ذاتها على الأفراد الذين يفكرون في الأمراض ويتحدثون عنها. في البداية، يكون هذا الفرد مصابا بوسواس مرضي، ولكن عندما تبقى لديه هذه العادة، فإن المرض أو ما يشبهه يبدأ في الظهور. وقوة العادة الكونية هي السبب في هذا، لأنها حقيقة أن أية فكرة تثبت في العقل من خلال التكرار تبدأ على الفور في ترجمة نفسها إلى معادلاتها المادية، وذلك بكل وسيلة عملية يمكن أن تكون متاحة.
ومن التعليقات المحزنة على ذكاء الناس ملاحظة أن أكثر من ثلاثة أرباع من تتوافر لهم المنافع الكاملة لبلد عظيم كبلدنا يمضون حياتهم في الفقر والعوز، ولكن السبب في هذا الأمر لن يصعب فهمه إذا وعينا المبدأ الفعال لقوة العادة الكونية.
فالفقر هو النتيجة المباشرة ل "الوعي بالفقر"، والذي ينتج عن التفكير في إطار الفقر، والخوف منه، والحديث عنه.
ويصعب أن نتخيل أن الناجحين يفكرون فيما لا يرغبون فيه، أو يفكرون في الفقر. ولا علاقة للتعليم أو القدرات العامة بنجاحهم، لأن ما لدى بعض الناجحين يقل عما لدى ملايين الأشخاص من غيرهم ممن يتكبدون معاناة الفقر طوال حياتهم، فبعضهم لديه سلسلة من الدرجات العلمية.
وظل العالم يفكر ويتحدث بأن السرطان مرض لا علاج له لمدة طويلة لدرجة أن قوة العادة الكونية حولت هذا النموذج الفكري إلى نموذج رأسخ كبير يصعب هدمه. ولكن الوقت سيكون متاحا حينما تبدأ جماعات أكثر اطلاقا في وضع نماذج فكرية يمكن أن تعمل كترياق لهذا المرض
وعندما يصبح هذا النوع من التفكير الجماعي" شاملا بصورة كافية، فإن السرطان سيزول بالطريقة نفسها التي زالت بها كل الأمراض البشرية بسبب كف الناس عن الحديث عنها والتفكير فيها.
والصحة السليمة نتاج "وعي صحي" صمم بعناية، والذي نشأ عن أفكار ثابتة عن الصحة السليمة والتي صارت دائمة من خلال قانون قوة العادة الكونية. واذا
قانون قوة العادة الكونية
كنت ترغب في صحة سليمة، فلتأمر عقلك الباطن أن ينشئها، وسوف تقوم قوة العادة الكونية بتنفيذ هذا الأمر
وإذا كنت ترغب في الرخاء، فلتأمر عقلك الباطن أن يحقق الرخاء، ومن ثم سيكتسب "وعيا بالرخاء"، وراقب مدى سرعة تحسن ظروفك الاقتصادية.
وسوف يأتي "الوعي" بما ترغب فيه أولا، ثم سيتبعه تجل مادي أو عقلي لرغباتك. و"الوعي" مسئوليتك، وهو شيء يجب عليك إنشاؤه بواسطة أفكارك اليومية، أو بواسطة التأمل إذا كنت تفضل الكشف عن رغباتك بهذا الأسلوب. وبهذه الطريقة يمكن للمرء أن يجعل نفسه حليفا لقوى لا تقل عن أعظم قوی الطبيعة.
قال أحد الفلاسفة العظماء: "لقد خلصت إلى أن القبول بالفقر - أو باعتلال الصحة - اعتراف صریح بفقدان الإيمان".
ونحن كثيرا ما ندعي الإيمان، ولكن أفعالنا تكذب أقوالنا، فالإيمان حالة عقلية يمكن أن تصبح دائمة بالأفعال فقط. والإيمان وحده ليس كافيا، لأنه كما قال الفيلسوف العظيم: "الإيمان بلا أعمال إيمان فاقد للحياة".
وقانون قوة العادة الكونية هو من يمنع الطبيعة وحدها، وهو المبدأ الكوني الذي ينفذ النظام والانسجام من خلاله في كل العمليات الكونية، بداية من النجوم الهائلة المعلقة في السماء ووصولا إلى أصغر ذرات المادة.
وقوته متاحة للقوي والضعيف، والثري والفقير، والمريض والصحيح على حد سواء. وهذه القوة تقدم حلولا لكل المشكلات الإنسانية.
والغاية الرئيسية من السبعة عشر مبدأ الخاصة بتلك الفلسفة هي مساعدة ناس على تكييف أنفسهم مع القوة الخاصة بقوة العادة الكونية من خلال الانضباط الذاتي، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتكوين العادات الفكرية.