اسهمت الأدوية الحديثة التي تم استخدامها في الطب النفسي في النصف الثاني من القرن العشرين في تحقيق نتائج جيدة في علاج الأمراض النفسية بصفة عامة والاكتئاب النفسي على وجه الخصوص ومن المعروف أن جميع الأدوية يؤدي استخدامها إلى تحقيق بعض الفوائد في تخفيف الأعراض وراحة المريض لكن هناك بعض الآثار الجانبية غير العلاجية قد تكون مزعجة للمريض وهنا يجب أن يقوم الطبيب بتقييم فائدة الدواء بمقابل المشكلات التي تنشا عن استخدامه ولقد أصبح استخدام الأدوية المضادة للاكتتاب من الممارسات الاساسية في الطب النفسي حاليا، وتم تطوير اجيال جديدة من هذه الأدوية التحقيق فائدة اكبر والتغلب على الآثار الجانبية غير المرغوبة ولكن يظل هناك الكثير من الأسئلة حول استخدام الأدوية لعلاج حالات الاكتئاب ومن هذه التساؤلات على سبيل المثال :
- متى نعطي الدواء ولاي الحالات نستخدمها ؟
- هل يجب وصف هذه الأدوية لكل حالات الاكتئاب ؟
- كيف يتم الاختيار بين ادوية الاكتتاب المختلفة ؟
- ما هي المهارات اللازمة لتحديد الجرعة وفترة العلاج ؟
- كيف تعمل هذه الأدوية وماهي الآثار الجانبية التي تحدث عند استخدامها ؟
وهنا في هذا الفصل تقدم الإجابة على التساؤلات الخاصة بالعلاج الدوائي الحالات الاكتئاب النفسي، ونقدم بعض التفاصيل التي تهم مرضى الاكتئاب واقاربهم حول الأدوية النفسية المستخدمة حاليا في علاج الاكتتاب.
نبذة تاريخية :
ظل البحث عن علاج ناجح للاكتئاب يشغل بال الناس منذ وقت طويل وقد استخدمت وسائل بدائية في علاج حالات الاكتتاب منها : الأعشاب، واستخدام وصفات من مواد مختلفة للسيطرة على اعراض المرض، كما استخدمت وسائل اخرى مثل العلاج بالطرق الروحية، واستخدام الكي، ونقل المريض الى مكان ملائم، واستخدام اسلوب الترويح والترفيه، غير أن الأدوية الحديثة لعلاج الاكتئاب لم يتم استخدامها بصورة منتظمة الا في النصف الثاني من القرن العشرين حيث حدثت ثورة كبيرة في وسائل العلاج نتيجة لفهم كيمياء المخ والجهاز العصبي.
ومن خلال المتابعة التاريخية للادوية التي استخدمت لعلاج الحالات النفسية الصفة عامة نجد أن بداية المحاولات كانت باستخدام بعض المواد المخدرة في القرن التاسع عشر حيث تم استخدام الحشيش سنة 1845 ، والكوكايين ستة 1875 ,كما تم استخدام مادة كلورال هيدريت ستة 1869 , ومادة باردهیدت سنة 1882 , ومحاولة الطبيب الألماني "كريبلن" استخدام المورفين والكحول والأيثير والباردهیدت للعلاج سنة 1892 ,وفي بداية القرن العشرين ادخلت مشتقات الباربتيورات المهنة والمنومة في عام 1903 ,كما تم استخدام العلاج عن طريق حمى الملاريا لمرضی الزهر العصبي في عام 1917 ,بواسطة " فاجنر " الذي حصل على جائزة نوبل، وفي عام 1927 تم استخدام غيبوبة الانسولين كعلاج لبعض الحالات النفسية الذهانية الشديدة، كما استخدم العلاج بالتشنجات الكهربائية لأول مرة في عام 1938، وبعد ذلك تم ادخال مضادات الصرع من نوع "فينوتونين" في عام 1940، استخدام عقار الهلوسة LSD لعلاج بعض الحالات في عام 1949، كما تم استخدام عقار اليثيوم بداية من عام 1949 ولا يزال يستخدم بنجاح لعلاج الحالات المستعصية من الاضطرابات الوجدانية والاكتئاب حتى الآن .
وكانت الصدفة وحدها سببا في اكتشاف التأثير العلاج النفسي لعقار كلوربرومازین Chlorpromazine الذي كان يستخدم في الجراحة لمنع الألم عند اجراء العمليات الجراحية تم ذلك بواسطة أحد الأطباء الفرنسيين وكان يعمل ف ي مهمة عسكرية في فيتام، ويعتبر هذا الدواء هو الدواء الأساسي الذي اشتقت منه كثير من الأدوية النفسية فيما بعد، وكان ذلك في عام 1952، وشهدت الفترة من عام 1955 وحتى 1958 دخول الأدوية المضادة للاكتئاب لأول مرة وكانت في صورة مجموعة الادوية ثلاثية الحلقات Tircyclic ومجموعة مثبطات احدی الMAOL، وبعد ذلك توالت الأجيال الجديدة من الأدوية المضادة للاكتئاب.
وتختلف الأدوية الحديثة عن الأدوية التي استخدمت من قبل في انها اكثر فاعلية واقل في آثارها الجانبية .
الادوية المضادة للاكتئاب :
هناك قائمة طويلة تضم مجموعات من الأدوية المضادة للاكتتاب فيما بلی نقدم عرضا للادوية الرئيسية المستخدمة لعلاج الاكتئاب في الوقت الحالى :
- الأدوية ثلاثية الحلقات Tircyclic :
ومن امثلتها امتربتلین ( تربتزول )، نورتربتلین، امبرامین ( تفرانيل)، كلوامبرامین ( انا فرائیل ).
- الأدوية رباعية الحلقات Tetracyclie :
ومنها مابروتلین ( لوديوميل ).
- مثبطات احادي الأمين MAOI :
ومن أمثلتها : فنلزین، ایزوكربوکسزيد.
ولا يتم استخدام هذه الأدوية حاليا نظرا لآثارها الجانبية المزعجة ولكن هناك دواء حديث من هذه المجموعة يتم استخدامه حاليا تحت اسم ( ارورکس ).
- مجموعة منشطات مادة السيروتونين :
ومن امثلتها : فلوكستیں ( بروزاك )، سرترالین ( لسترال )، فلوفاكسلمين ( فافرين )، وستالیرام ( سبرام )، وتمثل هذه المجموعة الجيل الحديث من الادوية المضادة للاكتئاب .
- ادوية اخرى تستخدم لعلاج الاكتئاب :
ومن أمثلتها جيل الأدوية الحديثة مثل فنلافاكسين (إفكسور)..ومنها أيضا دوكسيبن، ترازودون، دوسبیرول، وغيرها .
- اليثيوم :
ويعتبر من أهم الأدوية في علاج الاضطرابات الوجدانية وحالات الاكتئاب الشديدة المتكررة، حيث تستخدم كوقاية من نوبات الهوس والاكتئاب علی المدى البعيد .
- هناك بعض الأدوية تستخدم كوسائل مساعدة في علاج بعض حالات الاكتئاب رغم انها توصف لعلاج أمراض أخرى منها مضادات الصرع ومن امثلتها :
کاربامازبين ( تجرتول )، فالبروات ( دباكين)، كلونازبام ( ريفتريل).
مهارات استخدام ادوية الاكتئاب :
- هناك مهارات في استخدام ادوية الاكتئاب لا تتوفر الا لدى الأطباء النفسيين من حيث اختبار الدواء وطريقة استخدامه وفترة العلاج والاحتياطات التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار خلال علاج الاكتئاب النفسي عن طريق الدواء ومن الأخطاء الشائعة في استخدام ادوية الاكتئاب أن يتم اختبار دواء من المجموع ات التي سبق ذكرها غير مناسب لشدة ونوع الحالة، أو استخدام الدواء بجرعة قليلة لا تحقق الفائدة المطلوبة أو تحول من استخدام دواء الى اخر دون مرور فترة كافية للتعرف على مدى فاعليتها، وهناك بعض القواعد العامة لاستخدام الأدوية في علاج الاكتئاب النفسي نذكر منها :
- اختيار الدواء المناسب للمريض ويتم ذلك من خلال تقييم نوع الاكتئاب وشدة الحالة وطبيعة الأعراض الرئيسية للاكتئاب، ففي المرضى الذين يعانون من بطء الحركة، والعزلة، يجب البدء بدواء يقدم بالتتبيه وتنشيط حركة المريض ورفع الحالة المزاجية له، وفي الحالات الأخرى التي تكون مصحوبة بقلق وهياج شديد يجب البدء باستخدام احد ادوية الاكتئاب التي تقوم بالتهدئة بالسيطرة على الأعراض وراحة المريض .
- قد تكون الاستجابة المبدئية لاستخدام الدواء غير مرضية، ولا يعني ذلك الفشل في علاج المريض غير طريق الدواء بل يجب زيادة الجرعة والاستمرار لفترة كافية في العلاج او التفكير في اضافة ادوية اخرى ثم بعد ذلك التفكير في التحول الى استخدام دواء اخر يكون ملائما لحالة المريض .
- يجب استمرار العلاج لفترة كافية حتى بعد اختفاء الاعراض الحادة للمرض وتحسن حالة المريض وذلك لضمان عدم انتكاسة الحالة، ويجب امتناع المريض بإن العلاج يستخدم حتى بعد تحسن الحالة وذلك لضمان عدم عودة الأعراض مرة اخرى .
- هناك قاعدة طبية عامة تقول بان المريض يجب أن يشترك في المسائل الخاصة بعلاج حالته ويعني ذلك أن نشرح للمريض باسلوب مبسط مفهوم الهدف من العلاج وطبيعة الادوية التي يتناولها ومدة العلاج وتأثيره المتوقع والأعراض الجانبية لاستخدامه، كما يجب أن يجيب على تساؤلات المريض حول الدواء والعلاج بصفة عامة قبل أن يبدا في استخدامه .
كيف تعمل ادوية الاكتئاب ؟
من الناحية العملية فإن تأثير الأدوية المضادة للاكتتاب والأدوية النفسية بصفة عامة تم ملاحظته قبل أن يعرف الأطباء وعلماء النفس تفسير الطريقة التي تعمل بها هذه الأدوية وهذا ينطبق على الكثير من الاكتشافات الطبية بصفة عامة حيث يتم ملاحظة تأثير الدواء في شفاء المرض ثم يحاول الأطباء بعد ذلك تفسير الكيفية التي يعمل بها الدواء، وبالنسبة لأدوية الاكتتاب فإن النظرية العلمية لسلها تقوم على افتراض انها تؤثر على كيمياء المخ والجهاز العصبي ومن المعروف أن احدي نظريات الاكتئاب تقول إن اعراض المرض تنشأ نتيجة لخلل بعض المواد الكيميائية للجهاز العصبي تترتب عليه نقص في معنوي مادة السيروتونين ومادة نورابنفرالين، واذا تم علاج هذا النقص عن طريق عقاقير خارجية تزيد من مستوى هاتين المادتين في مراكز الجهاز العصبي فإن تحسنا ملحوظا يطرا علی حالة مرض الاكتئاب.
وليس من المهم الدخول في تفاصيل دقيقة حول الطريقة التي تعمل بها الأدوية ولكن يجب على الأطباء النفسيين أن يعلموا كل التفاصيل المتعلقة بالأدوية التي يستخدمونها خصوصا أن الكثير منها له بعض الأعراض والاثار الجانبية كما أن البعض منها يحتاج الى فترة زمنية تتراوح بين اسبوعين و 3 اسابيع حتى يقوم بعمله كدواء مضاد للاكتئاب كما أن التفاعلات الجانبية بين بعض ادوية الاكتئاب والأدوية الأخرى يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند وصف ه ذه الأدوية ويجب الاحتياط ايضا حين يكون الاكتتاب مصحوبا بحالة مرضية أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم، والسكر، ومرض الجلوكوما المياه الزرقاء ف ي العين ، كما أن السيدات اثناء فترة الحمل والرضاعة لا توصف لها الأدوية النفسية المضادة للاكتئاب الا في حدود معينة عند الضرورة، ويمكن الجمع بين استخدام الأدوية النفسية والوسائل الاخرى لعلاج الاكتتاب مل جلسات العلاج النفسي أو العلاج الكهربائي في الحالات التي تتطلب ذلك وتكون النتائج افضل من استخدام وسيلة علاجية واحدة .
وكما تعمل ادوية الاكتئاب على استعادة الاتزان الكيميائي المصاحب المرض الاكتئاب وتحسين الحالة المزاجية للمريض فإن استخدامها يؤدي الى بعض الآثار الجانبية غير المرغوبة ومنها الشعور بالدوخة والغثيان، وقلة التركيز، وعدم وضوح الرؤية للعين، وجفاف الحلق، واضطراب ضربات القلب، والإمساك، واحتباس البول، ويحدث ذلك صورة متكررة مع الاجيال الأولى من ادوية الاكتئاب مثل الأدوية ثلاثية الحلقات التي كانت ولا تزال تستخدم على نطاق واسع، ويجب الانتباه الى تشابه بعض هذه الآثار الجانبية مع اعراض الاكتئاب لذا يجب الحرص عند استخدام هذه الأدوية واختيار المناسب منها لكل حالة