- هوراس مان
إذن، وصلت الآن إلى تحليل أعظم قانون من قوانين الطبيعة، ألا وهو قانون قوة العادة الكونية
وإذا ما شرحناه باختصار، فسنقول إن قانون قوة العادة الكونية عبارة عن طريقة طبيعية لترسيخ كل العادات حتى تجري بصورة آلية فور تفعيلها - والعادات البشرية كالعادات الكونية تماماً.
وبلغ جميع الناس منازلهم وما هم عليه حالياً بسبب عادات فكرية وعملية مترسخة. والغاية من هذه الفلسفة برمتها هي مساعدة الأفراد على تشكيل نوع العادات التي ستنقلهم من منازلهم الحالية إلى المنازل التي يتمنون بلوغها في الحياة.
وكل العلماء - وعديد من العامة - يعرفون أن الطبيعة تحافظ على توازن تام بين عناصر المادة والطاقة في الكون؛ وأن الكون كله يدار بمنظومة صارمة من النظام والعادات التي لا تتغير أبداً، ولا يمكن أن يستبدل بها شكل من أشكال المساعي البشرية، وأن الحقائق الخمس المعروفة عن الكون غي (1) الوقت، (2) والفراغ، (3) والطاقة، (4) والمادة، (5) والذكاء، والتي تشكل الحقائق الأخرى المعروفة وفق منظومة ونظام مبني على عادات ثابتة.
الفصل العاشر
وهذه هي لبنات الطبيعة، التي تصنع بها حبات الرمال أو النجوم الهائلة التي تسبح في الفضاء، وكل شيء آخر يعرفه البشر، أو ما يمكن للعقل الإنساني تخيله.
وهذه هي الحقائق الشهيرة، ولكن لا يبذل الجميع الوقت أو الاهتمام ليتعلموا أن قوة العادة الكونية تلك هي التطبيق الخاص للطاقة الذي تحافظ بها الطبيعة على الارتباط بين ذرات المادة، والنجوم في سيرها الذي لا يتوقف نحو مصير مجهول، وفصول السنة، والليل والنهار، والصحة والمرض، والحياة والموت. وقوة العادة الكونية هي الوسط الذي تبقى من خلاله كل العادات والعلاقات الإنسانية بدرجات مختلفة من الاستمرار، وهي الوسط الذي تترجم من خلاله الأفكار إلى معادلاتها المادية كاستجابة لرغبات الأفراد وغاياتهم.
ولكن هذه هي الحقائق التي يمكن البرهنة عليها ، وقد يعتبر المرء تلك الساعة التي يكتشف فيها الحقيقة البيئة التي تقول إن البشر مجرد آلات تظهر القوى العليا أنفسها من خلالها، ساعة مقدسة. والفلسفة كلها مصممة لتقود المرء إلى هذا الاكتشاف المهم، ولتمكنه من الاستفادة بالمعرفة التي تكشفها له، وذلك بوضع المرء نفسه في انسجام مع القوى الخفية في هذا الكون، والتي يمكنها أن توصل المرء إلى النجاح على نحو محتوم.
وينبغي أن توصل ساعة ذلك الاكتشاف المرء بسهولة إلى المفتاح الرئيسي لكل الثروات!
وقوة العادة الكونية هي أداة التحكم للطبيعة، والتي يجري من خلالها تنسيق قوانين الطبيعة الأخرى، وتنظيمها، وإدارتها بأنظمة ومنظومات معينة. ولهذا، فهي تعد أعظم قانون من قوانين الطبيعة كلها.
وإننا نرى النجوم والكواكب تسير بدقة لدرجة أن باستطاعة علماء الفلك أن يحددوا مواقعها مسبقاً وأن يحددوا ارتباط كل منها بالآخر لعدة سنوات من الآن. ونحن نرى فصول السنة تجيء وتذهب بانتظام كانتظام الساعة. ونعلم أن شجرة البلوط تنبت من جوزة صغيرة، وأن شجرة الصنوبر تنبت من بذور أسلافها؛ وأن جوزة البلوط لا تخطئ أبداً وتنبت شجرة صنوبر؛ ولا يمكن لبذرة الصنوبر أن تنبت شجرة بلوط. ونعلم أنه لا شيء ينبت دون أن يكون له أسلاف من جنسه، وأن طبيعة أفكار المرء والغاية منها يؤتيان ثمارا من جنسها، تماما كما تنتج النار الدخان.
قانون قوة العادة الكونية
وقوة العادة الكونية هي الوسط الذي يحبر فيه كل شيء حي على اتخاذ شكل معين وأن يصير جزءاً من المؤثرات البيئية التي يحيا ويتنقل من خلالها. وهكذا فهى حقيقة أن النجاح يجلب المزيد من النجاح، وأن الفشل يجلب المزيد من الفشل، وهي حقيقة معروفة منذ وقت طويل، رغم أن قليلاً من الناس هم من أدركوا سبب هذه الظاهرة الغريبة.
ومن المعروف أن الشخص الذي ظل فاشلاً قد يحظى بنجاح باهر من خلال الارتباط الشديد بمن يفكرون ويتصرفون بشكل ناجح، ولكن لا يعلم الجميع أن هذا الأمر صحيح لأن قانون قوة العادة الكونية يبث "الوعي بالنجاح" من عقل الشخص الناجح إلى عقل الشخص غير الناجح الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بهذا الشخص في شئون الحياة اليومية.
ومتى اتصل عقلان، يتولد من هذا الاتصال عقل ثالث أقوى من العقلين الأوليين. وأكثر الناجحين يدركون هذه الحقيقة ويعترفون صراحة بأن نجاحاتهم بدأت من خلال الارتباط الوثيق بأشخاص ذوي توجهات عقلية إيجابية استفادوا بها بوعي أو بغير وعي.
وقوة العادة الكونية لا تدرك بالحواس الخمس، وهذا هو السبب في كونها غير معروفة على نطاق واسع، لأن أكثر الناس لا يحاولون إدراك قوى الطبيعة غير الملموسة، ولا يهتمون بالمبادئ المجردة. ورغم هذا، تمثل الأشياء غير الملموسة والمجردة القوى الحقيقية في الكون، وهي الأساس الحقيقي لكل شيء ملموس ومادي، وهي المصدر الذي تشتق منه الأشياء الملموسة والمادية.
ولتتفهم المبدأ الفاعل لقوة العادة الكونية، ولن تجد صعوبة في تفسير مقال رالف والدو إميرسون" الذي يحمل عنوان "Compensation"، لأنه كان متفاعلا مع قانون قوة العادة الكونية عندما كتب هذا المقال.
وكذلك السير "إسحاق نيوتن"، فقد قارب من الوعي التام بهذا القانون عندما کشف قانون الجاذبية. ولو أنه تقدم مسافة قصيرة أبعد مما انتهى إليه اكتشافه، - بما ساعد على كشف قانون قوة العادة الكونية ذاته حيث إنه يمسك بكوكبنا الصغير في الفضاء ويربطه بشكل منظم بكل الكواكب الأخرى من حيث الزمان والمكان؛ وهو القانون ذاته الذي يربط البشر ببعضهم، ويربطهم جميعا من خلال العادات الفكرية.