وقد يسألني بعض الأشخاص: "كيف يمكن للمرء تحقيق الاستفادة القصوى من هذا التعليم؟".

وقد تكتشف الإجابة من خلال دراسة الدوافع الأساسية التسعة التي تحث الناس على العمل التطوعي. ونحن كثيراً ما نقرض خبراتنا، ومعارفنا، وتعاوننا للآخرين؛ لأننا مُنِحْنَا دافعاً كافياً للقيام بهذا. ومن يكونون علاقات ببعضهم في مكان العمل بالنوع الصحيح من التوجه العقلي ينالون فرصة أفضل للتعلم من بعضهم أكثر مما سيتعلمون من أولئك المتخاصمين، أو سريعي الغضب، أو الغليظين، أو الذين يهملون أقل قدر من اللطف الموجود بين كل الأشخاص المثقفين.

 والمقولة القديمة التي تقول "يمكنك باستخدام العسل اصطياد ذباب أكثر مما يمكنك اصطياده بالخل" لا بد أن تبقى بأذهان من يرغبون في التعلم ممن يفوقونهم معرفة عن الأمور، ومن يسعى الناس للحصول على تعاونهم.

"والتعليم: ولا ينتهي تعليم المرء أبداً.

     ومن غايته الكبرى المحددة عظيمة القدر يجب أن يظل طالباً على الدوام، وأن يطلب العلم من كل مصدر ممكن - وخاصة تلك المصادر التي يمكن للمرء أن يكتسب منها معرفة وخبرة متخصصة تتعلق بغايته الكبری.

والمكتبات العامة مجانية، وتقدم قدراً عظيماً من المعرفة المنظمة في كل موضوع. وهي تحمل، بكل اللغات، حصيلة المعارف الإنسانية في كل موضوع.

تحليل "أندرو كارنيجي" لمبدأ العقل المدبر

والشخص الناجح ذو الغاية الكبرى المحددة يجعل شغله الشاغل ومسئوليته أن يقرأ الكتب المتعلقة بتلك الغاية، ومن ثم يكتسب معرفة مهمة تنبع من خبرات الآخرين الذين رحلوا من قبل.

ويجب تخطيط برنامج القراءة بعناية كتخطيط البرنامج الغذائي اليومي، لأن المعرفة أيضا تعد غذاء لا يمكننا أن ننمو عقلياً بدونه.

والشخص الذي يمضي وقت فراغه كله في قراءة قصاصات الصحف لا يتجه نحو تحقيق أية إنجازات عظيمة.

ويمكن قول الكلمات ذاتها على من لا يدرجون في برنامجهم اليومي بعض القراءة التي تمدهم بمعرفة يمكن استخدامها في تحقيق غاية كبرى. والقراءة العشوائية قد تكون ممتعة، ولكنها نادراً ما تكون مفيدة لعمل المرء.

ورغم هذا، ليست القراءة هي المصدر الوحيد للثقافة. فمن خلال حسن اختيار التحالفات من بين زملائنا، يمكننا إقامة تحالفات تثري حياتنا من خلال محادثاتنا العادية مع الأشخاص المميزين.

والنوادي المهنية وتلك الخاصة بالعمل تقدم للمرء فرصة لتكوين تحالفات ذات منفعة تثقيفية عظيمة، شريطة أن يختار المرء تلك النوادي والرفاق المشتركين فيها بغاية محددة في عقله. ومن خلال هذا النوع من المصادقة، كون عديد من الناس صداقات عملية واجتماعية عظيمة القيمة في تحقيق غاياتهم الكبرى.

ولا يمكن لأحد السير في طريق الحياة بنجاح دون أن تكون لديه عادة تكوين الصداقات. وكلمة "معارف" - التي شاع استخدامها في علاقات الصداقة الشخصية - تعد كلمة مهمة. وإذا جعل المرء زيادة قائمة معارفه الشخصية جزءا من ممارساته اليومية، فإن هذه العادة ستكون ذا نفع عظيم دائم يفوق التوقعات. وسيجيء الوقت الذي يكون فيه هؤلاء الأشخاص مهيئين وعلى استعداد لتقديم المساعدة لهذا المرء إذا نجح في نيل قبولهم.

   ودور العبادة تعد من أفضل الأماكن التي يمكن للمرء من خلالها الالتقاء بالناس وإقامة العلاقات معهم، لأنها تجمع الناس ما في ظروف تلهمهم روح المودة والألفة.

ويحتاج كل شخص إلى مكان ما يمكنه من خلاله أن يصادق جيرانه في ظروف تمكن من تبادل الأفكار من أجل صداقة وفهم متبادل، بغض النظر عن

الفصل الثامن

كل المكاسب المالية. ومن يتقوقعون حول ذواتهم يصبحون شديدي الانطواء، وسرعان ما يصيرون أنانيين وذوي توجهات ضيقة عن الحياة.

أدِّ واجبك الوطني

التحالفات السياسية: إن من واجب المواطن الأمريكي وامتيازاته أن يهتم بالشئون السياسية، ومن ثم يمارس حق التصويت لتنصيب رجال وسيدات قيمين في مراكز عامة.

والحزب السياسي الذي ينتمي إليه المرء لا يقل أهمية عن مسألة ممارسة حق التصويت. وإذا أصبحت الشئون السياسية ملطخة بممارسات مشبوهة، فلا يلام عليها أحد سوى الشعب الذي باستطاعته إبقاء الأشخاص المخادعين، والتافهين، وغير الأكفاء بعيدا عن المراكز العامة.

وعلاوة على امتياز التصويت والواجب الذي يحمله معه، يجب على المرء ألا يتغاضى عن المنافع التي يمكن اكتسابها من خلال الاهتمام الفعال بالشئون السياسية، وذلك من خلال "معارف" وتحالفات مع أناس قد يساعدونه على تحقيق غايته الكبرى المحددة.

وفي عديد من الوظائف، والمهن، والأعمال، يصبح التأثير السياسي عاملا محددا ومهما في تحسين اهتمامات الفرد. وعلى رجال وسيدات الأعمال وأصحاب المهن ألا يتجاهلوا إمكانية تحسين اهتماماتهم من خلال إقامة التحالفات السياسية الفعالة.

والشخص اليقظ - الذي يتفهم ضرورة السعي في كل اتجاه ممكن إلى اكتساب حلفاء ودودين يمكنه استخدامهم في تحقيق غاية كبرى في الحياة - سوف يستغل ميزة التصويت أقصى استغلال.

ولكن السبب الرئيسي في وجوب أن يهتم كل مواطن أمريكي بالشئون السياسية اهتماما فعالا، وهو السبب الذي أؤكده من بين كل الأسباب، هو حقيقة أنه إذا فشل النوع الأفضل من المواطنين في ممارسة حق التصويت، فإن السياسة ستفسد وتصبح شرا يدمر الأمة.

ومؤسسو هذه الأمة قد تعهدوا بحياتهم وثرواتهم أن يقدموا لكل أفراد الشعب امتیازي الحرية والتحرر في السعي إلى تحقيق غاياتهم المختارة في الحياة. ومن

تحليل "أندرو كارنيجي" لمبدأ العقل المدبر

الامتيازات الرئيسية امتياز المساعدة، بالاقتراع، في الحفاظ على الكيان الحكومي الذي بناه مؤسسو الأمة لحماية تلك الامتيازات.

ولكل شيء يستحق الامتلاك ثمن محدد.

  وأنت ترغب في نيل حرية شخصية وتحرر فردي. حسنا، يمكنك حماية هذا الحق من خلال إقامة تحالف عقل مدبر مع أمريكيين شرفاء ومحبين لوطنهم، ويجعل شغلك الشاغل انتخاب رجال وسيدات وطنيين أمناء لشغل مراكز عامة. وليس من المبالغة أن نقول إن هذا قد يكون أهم تحالف عقل مدبر يمكن لأي مواطن أمريكي أن يقيمه.

وقد ضمن لك أجدادك الحرية الشخصية والتحرر بأصواتهم. وينبغي عليك ألا تقدم أقل من ذلك لأبنائك وللأجيال التي تليهم.

وكل مواطن أمريكي أمين له تأثير كاف على جيرانه وزملائه في العمل يمكنه من التأثير على ما لا يقل عن خمسة أشخاص آخرين کي یمارسوا حقهم في التصويت. واذا فشل هذا المواطن في ممارسة تأثيره، فسيظل مواطنا أمينا، ولكن لا يمكن أن ندعوه مواطناً وطنياً بحق، لأن الوطنية ثمنا يتألف من الالتزام بممارستها.

أقم شبكة علاقات مع أقرانك

التحالفات الاجتماعية: يوجد هنا مجال خصب - وغير محدود تقريباً - لإنشاء معارف" ودية. وهو متاح بخاصة للأزواج الذين يفهمون من إنشاء الصداقات من خلال الأنشطة الاجتماعية.

فيمكن لهؤلاء الأزواج أن يحولوا منازلهم وأنشطتهم الاجتماعية إلى ممتلكات لا تقدر بقيمة، إذا كانت وظائفهم تتطلب منهم التوسع في إنشاء الصداقات.|

وعديد ممن تمنعهم آدابهم المهنية من الإعلان المباشر عن أنفسهم أو التنمية الذاتية المباشرة يمكنهم الاستفادة بفاعلية من امتيازاتهم الاجتماعية، شريطة ان تكون لدى أزواجهم نزعة إلى ممارسة الأنشطة الاجتماعية.

فقد استطاع زوج إحدى المحاميات مساعدة زوجته على إنشاء مكتب من أكثر مكاتب المحاماة ربحا في إحدى مدن الغرب الأوسط، وذلك بمجرد استضافة زوجات وأزواج رجال وسيدات الأعمال الأثرياء من خلال الأنشطة الاجتماعية. والإمكانيات المتاحة من هذه المعادلة لا تنتهي.

الفصل الثامن

ومن الامتيازات الرئيسية للتحالفات الودية مع أناس من كل دروب الحياة أن هذه المعارف توفر فرصة لخوض مناقشات مائدة مستديرة تؤدي إلى اكتساب معرفة يمكن للمرء استخدامها في تحقيق غاية كبرى محددة.

وإذا كان معارف المرء عديدين ومتنوعين بقدر كاف، فقد يصبحون مصدرا قيما من مصادر المعلومات في مجموعة كبيرة من الموضوعات، مما يولد صورة من صور الاتصال العقلي الذي يعد أساسا لتحسين المرونة والقابلية للتغير المطلوبتين في عديد من المساعي.

وعندما تجتمع مجموعة من المحترفين وتخوض مناقشات مائدة مستديرة حول موضوع ما، فإن هذه الصورة من صور التعبير العفوي وتبادل الأفكار تثري عقول كل المشاركين فيها. وجميعنا بحاجة إلى تعزيز أفكارنا وخططنا بغذاء فكري جديد، والذي لا يمكن اكتسابه إلا من خلال المناقشات الصريحة والصادقة مع أناس تختلف خبراتهم وتعليمهم عن خبرتنا وتعليمنا.

والكاتب الرائد في مجال الكتابة الذي يظل محتفظا بمكانته الرفيعة هذه يجب عليه أن يضيف باستمرار إلى مخزونه من المعرفة عن طريق استخدام تأملات الآخرين وأفكارهم، وذلك من خلال المعارف الشخصية والقراءة.

وأي عقل يظل ذكياً، ويقظاً، وتقبلياً، ومرناً يجب أن يغذي باستمرار من مخزونات العقول الأخرى. وإذا أهمل هذا التحديث، فسوف يصير العقل هزيلاً ، كما يحدث تماماً للذراع التي لا تستخدم. ويحدث هذا الأمر طبقا لقوانين الطبيعة، لذا فلتدرس خطط الطبيعة وسوف تكتشف أن كل الكائنات الحية من أصغر حشرة إلى الإنسان المعقد التكوين - تنمو وتبقى صحيحة فقط من خلال الاستخدام المستمر لأعضائها.

ومناقشات المائدة المستديرة لا تضيف إلى مخزون المرء من المعرفة النافعة وحسب، بل تطور من قوة العقل وتوسعها. ومن يتوقف عن الدراسة في اليوم الذي ينهي فيه تعليمه الرسمي، فلن يصبح أبداً شخصاً متعلماً، مهما كان مقدار المعرفة التي اكتسبها في قاعات الدراسة.

والحياة نفسها تعد مدرسة كبيرة، وكل شيء يلهم التفكير بعد معلما. والعاقل يعلم هذا، علاوة على ذلك، فإنه يجعل الاتصال بالعقول الأخرى روتيناً يومياً له، بغية تطوير عقله من خلال تبادل الأفكار.