يقول كيندال هيفين مؤلف كتاب أعظم 100 اكتشاف في التاريخ :
الاكتشاف! هذه الكلمة بالذات ترسل وخزات خفية تجعلك تنتفض من مكانك، وتسرع من نبضك. الاكتشافات هي لحظات ال «آه، ها! فهمت!» وال «یوریکا؟ وجدتها!».
كل شخص يتوق إلى اكتشاف شيء ما- أي شيء ! الاكتشاف هو العثور على أو مراقبة شيء ما جدید- شيء لم يعرف ولم يلاحظ من قبل. هو الانتباه لما كان هنالك دوماً ولكن غفل عنه الجميع سابقاً. هو الامتداد لمناطق تقبع في المجهول حيث لم يمسسها بشر. فالاكتشافات تفتح آفاق جديدة، تمد ببصائر جديدة، وتخلق حظوظاً واسعة. وهي تدلل على تطور وتقدم الحضارات البشرية، و تتقدم بمعرفة الإنسان.
سعى المحلفون بقاعة المحكمة لكشف الحقيقة، وعلى غرارهم يكتشف علماء الأنثروبولوجيا أعمالاً صنعتها أنامل بشرية من حضارات وثقافات سالفة. كما يحاول الأشخاص الخاضعون للعلاج النفسي كشف ذاتهم.
عندما نقول أن كولومبس «اكتشف» العالم الجديد، لا نقصد أنه خلقه، طوّره، صممه، أو ابتكره. لطالما كان العالم الجديد هناك، فقد عاش عليه سكانه الأصليون لآلاف السنين قبل وصول کولومبس إليهم عام 1492م، وسبقوه في معرفة جزر الكاريبي بوقت طویل دون أن يحتاجوا إلى أوربي ليكتشفها لهم بالتأكيد. ما فعله كولومبس أنه أحاط المجتمعات الأوربية علماً بهذه القارة الجديدة. فقد كان أول أوربي يحدد موقع هذه الكتلة الأرضية الجديدة ويضعها على الخريطة. هذا ما جعل من عمله اكتشافاً.
عادة ما لا تكون الاكتشافات متوقعة. فها هي فيرا روبن تكتشف المادة المعتمة الكونية عام 1970م في حين لم تكن تقصد البحث عنها قط. في الحقيقة، لم تعِ بتواجد شيء كهذا حتى اثبت اكتشافها ذلك. بل وحتى اضطرت أن تبتكر له اسماً (المادة المعتمة) بعد أن اكتشفت تواجده.
يُبني الاكتشاف أحياناً على عمل سابق اضطلع به علماء آخرون، ولكن ليس الأمر كذلك في أغلب الأحايين. بعض الاكتشافات هي محصلة لسنين طوال من البحث تكبّدها العالم المكتشف. مرة أخرى، ليس هذا بالواقع في اكتشافات تضاهي نقائضها عدداً. إذ عادة ما تأتي الاكتشافات فجأة وتمثل نقاط انطلاق لحقول جديدة من الدراسة أو نقاط تركيز جديدة على ما يتواجد من حقول علمية.
لم دراسة الاكتشافات؟ لأن الاكتشافات تخطط لاتجاه تطور الإنسان وتقدمه. اكتشافات اليوم ستصوغ عالم الغد، والاكتشافات المهمة تحدد الاتجاهات التي يأخذ العلم بها، ما يؤمن العلماء به، والكيفية التي تتغير بها نظرتنا للعالم على مر الزمن.
فاكتشاف آینشتاين للنسبية عام 1905م غيّر فيزياء القرن العشرين تغييراً جذرياً من نوعه. إن الاكتشافات ترسم درب العلم وتقدمه كما تظهر علامات جهاز الطافية مسلك قناة ملتوية عبر خليج مائي سطحي واسع.
عادة ما تمثل الاكتشافات أفكارا ومفاهيم راديكالية جديدة. فهي تخلق، في الواقع ، جميع حالات الهجران القطعي عما سبق من معرفة وحياة وتفكير.
إن هذه الاكتشافات العلمية تضاهي في أهميتها لتطورنا أهمية التغيرات التطورية في ال DNA الخاص بنا، والتي سمحت لنا بالتكّيف جسديا لبيئاتنا المتغيرة.
يصف هذا الكتاب بإختصار أعظم مائة اكتشاف علمي على مر الزمن، تلك التي كان لها التأثير الأعظم على تطور علم الإنسان وتفكيره. دعوني أوضح المعنى بشكل أضبط:
الأعظم: هو الأهمية القصوى، أعلى بكثير في بعض من نوعية أو درجة الفهم» (قاموس كلية ويبستر الجديدة).
الاكتشاف: أول مرة يُرى فيها شيء ما، يُكشف عنه، يُدرك، أو يُعرف.
العلم: أي من الفروع المحددة للمعرفة العلمية (العلوم الفيزيائية ,علوم الأرض، وعلوم الحياة التي تشتق المعرفة عن النظامي من المراقبة والدراسة والتجريب.
مر الزمن: التاريخ المسجل (المدون) للحضارات البشرية.
هنالك مواضع عديدة من التطور البشري وأنواع عدة من الاكتشافات المهمة لم يتم تضمينها هنا على سبيل المثال، الاكتشافات في الفن، التراث، الاستطلاع، الفلسفة،المجتمع، التاريخ، والدين.
كما واستُثنيت الاكتشافات العلمية التي لا يمكن إعزاؤها إلى عمل فرد واحد أو مجموعة صغيرة من المشتركين. فمسألة ارتفاع حرارة الكرة الأرضية، مثلا، تعتبر بؤرة بحثية رئيسة في زماننا هذا، فقد يكون اكتشافها ضروريا لحياة ملايين إن لم يكن بلايين من البشر.
على أية حال، لا يمكن منح شرف هذا الاكتشاف لأي شخص معين. ينتشر ثلاثون باحثا، على أقل تقدير، على امتداد خمسة وعشرين عاماً لكل منهم يد في صياغة هذا الاكتشاف العالمي. هذا لم أدرجه ضمن قائمتي للاكتشافات المائة.
إنك بصدد اللقاء بالعديد من عمالقة العلم في هذا الكتاب. العديد- لكن بالتأكيد ليس الجميع. هناك العديد ممن ساهموا في التاريخ والتفكير العلمي مساهمة رئيسية دون أن يكتشفوا اكتشافاً محدداً واحداً يمكن تأهيله ضمن المائة العظمى. غاب العديد من أعظم مفكري ومكتشفي العالم لأن اكتشافاتهم لا تصنف کاکتشافات علمية.
بصورتها الطبيعية، لا تُلتمس الاكتشافات أو تُصنع استجابة لاحتياجات عملية متواجدة، كما هي الاختراعات. فالاكتشافات هي التي تُوسع بالمعرفة والفهم البشريين، وعادة ما يلزم العلماء عقود، (إن لم يكن قرونا) لاستيعاب وتقدير اکتشافات تتضح لهم ضرورها وأهميتها أخيراً.
لعل خير مثال على ذلك هو اكتشاف غريغور مندل لمفهوم الوراثة. لا أحد مّيز أهمية هذا الاكتشاف لأكثر من خمسين عاماً- رغم أننا نعتبره الآن حجر الأساس لعلم الوراثة.
أما نظرية آينشتاين في النسبية فقد عرفت لتوها اكتشافاً كبيراً، ولكن بعد قرن من هذا الاكتشاف لا زال العلماء يكافحون لفهم معناه وكيفية استعماله بينما نتذرع الفضاء أبعد فأبعد.
ليس هذا بالحال مع اختراع كبير. فعملية الاختراع تركز على إستحداث أجهزة ومنتجات عملية، والمخترعون يطبقون الفهم والمعرفة لحل مشاكل متواجدة حرجة. إن للإختراعات العظيمة إستعمالاً عملياً فورياً.
على النقيض من ذلك، فنظرية آينشتاين في النسبية، مثلا، لم تأت بالجديد من المنتجات أو الممارسات أو المفاهيم التي تؤثر على حياتنا اليومية، كما لم يأت به اکتشاف كبلر للمدارات الإهليليجية للكواكب حول الشمس. ينطبق الأمر ذاته على اكتشاف ألفريد فيغنر بانجراف القارات. مع هذا، يمثل كل منها تقدماً عظيماً لا يمكن تعويض أهميته في إدراكنا لعالمنا وللكون من حولنا.
كانت لدي ثلاثة أغراض رئيسية في صياغة وتحرير هذا الكتاب:
1- لأقدم اكتشافات علمية أساسية وأظهر تأثيرها على تفكيرنا وفهمنا.
2- لأقدم كل اکتشاف ضمن الكتلة الموحدة للتقدم والتطور العلمي المستمر.
3- لأبين عملية خوض الاستطلاع العلمي ضمن سياق هذه الاكتشافات.
إن من الممتع ملاحظة أن العلماء المقترنين بهذه الاكتشافات العلمية المائية العظمی يتقاسمون بينهم سمات وصفات أكثر قياساً بما يتقاسمه أولئك المقترنون بالاختراعات العلمية المائة العظمى.
فالعلماء المدرجون في هذا الكتاب - ممن حققوا اکتشافات علمية عظيمة- نبغوا عموما في الرياضيات أثناء دراستهم المدرسية ونالوا شهادات ودرجات متقدمة في العلوم أو الهندسة.
افتتنت هذه الزمرة بسحر الطبيعة و العالم من حولها، غمرها شغف قوي بمجالاتها العلمية والعملية، كانت بالعادة محترفة من الأساس في حقولها عندما أتت باکتشافاها المهيبة. تميل اكتشافات هؤلاء العلماء لأن تكون حصيلة لجهد مكرّس ومبادرة خلاقة. أمتعهم جانب ما من میدانهم العلمي وعملوا بجد لساعات طوال من التفاني والإلهام.
هؤلاء هم رجال ونساء مؤثرون يمكننا أن نتخذ منهم علماء نموذجين محظوظين بفرصهم، ويمكن الاقتداء بهم في كيفية استغلالهم لهذه الفرص وتطبيقهم لمعايير الإخلاص والاجتهاد في حقولهم المختارة..
إنه من المثير للدهشة أيضاًً اعتبار کم هي حديثة العديد من هذه الاكتشافات التي نعدها من المسلّمات بها ومن باب المعرفة العامة والبديهية . فانتشار قاع البحر اكتشف قبل خمسين عاماً فقط، تواجد مجرات أخرى قبل ثمانين عاماً فقط، وتواجد النيوترونات قبل سبعين عاماً لا أكثر.
اكتشف العلم الطبيعة الحقيقة للديناصورات وسلوكها قبل ثلاثين عاماً وللاندماج النووي قبل خمسين عاماً فقط. كما أن لمفهوم النظام البيئي (الإيكوسيستم) عمرا لا يتعدى السبعين سنة، أي بعمر مفهوم الأيض الغذائي.
مع كل هذا فإن كل واحد من هذه المفاهيم قد حاك بنفسه ضمن نسيج المعرفة العامة الشائعة لجميع الأمريكيين.
كان على استحداث بعض المعايير لمفاضلة وترتيب الاكتشافات العلمية العديدة، حيث كان علي الاختيار من بين آلاف الاكتشافات حرفياً.
هذه هي المعايير السبعة التي استعملتها في كتاب أعظم 100 اكتشاف على مر العصور :
1- هل يمثل هذا الاكتشاف تفكيراً جديداً بحق، أم مجرد تنقية وتحسين المفهوم ما متواجد بالأساس؟
2- ما هو الحد الذي غّير إليه هذا الاكتشاف التوجه والبحث العلمي وأعاد من تشكيلهما؟ هل غّير هذا الاكتشاف من الطريقة التي ينظر بها العلم إلى العالم تغييراً جوهرياً؟ هل غّير أو أعاد توجيه الطريقة التي يفكر ويتصرف بها العلماء بشكل جذري؟
3- ما أهمية هذا الاكتشاف بالنسبة لتطور ذاك الحقل المعين من العلم؟
4- هل لهذا الاكتشاف تأثيرات طويلة المدى على تطور الإنسان؟ هل ترشح تأثيرها خلال تفاصيل حياتنا اليومية؟
5- هل يندرج هذا الاكتشاف ضمن حقل معروف من العلم؟ هل هو اكتشاف
علمي؟
6- هل أمثل اتساع وتنوع الحقول والحقول الثانوية والاختصاصات العلمية العديدة على نحو كاف؟
7- هل يمكن أن يُعزى هذا الاكتشاف إلى شخص واحد بشكل صحيح وكذلك لحدث واحد أو جهد بحثي مطّول واحد؟
هناك العديد من الاكتشافات القيمة والعديد من العلماء القديرين نقصهم التقطيع النهائي لسيناريوهات ومجريات أعمالهم ليتم تمثيلهم هنا، لكنهم جميعا جديرون بالدراسة والتصفيق. يمكنك أن تجد الاكتشافات التي تفضلها أنت وتبحث فيها وفي مساهماتها (أنظر إلى الملحق رقم 3 للحصول على مقترحات إضافية).
يتضمن العديد من المواد التي تم تناولها في هذا الكتاب اكتشافين اثنين نظراً لتوثق ارتباطهما، ولأن أياً منهما غير مؤهل ليكون ضمن قائمة المائة العظمى على حدة، ولكن إلحاقهما ببعض يضفي عليهما أهمية أعظم بكثير مما يوحي به تأثيرهما على انفراد.