يتعلق بهذا
عندما قررت مشاركة الآخرين هذه الدروس، كنت أعلم أن أقيم كلمات يمكنني سماعها هي تلك التي تصدر مباشرة من فم الرجل الذي لعب دوراً كبيراً في مسألة تعريف النجاح هذه، ألا وهو "أندرو كارنيجي".
ذات يوم نلت شرف الاستحواذ على بضع ساعات متصلة من وقت "كارنيجي"، لذا تمكنت من سؤاله بدقة عما يعنيه بمبدأ العقل المدبر، لكي يتسنى للآخرين تخصيصه واستخدامه لاكتساب غاية كبرى محددة.
قلت له: "صف لي، إن شئت، الصور المتنوعة لتطبيق هذا المبدأ والتي يمكن لذوي القدرات العادية تحقيقها من خلال جهودهم اليومية، كي يستفيدوا أقصى استفادة من الفرص المتاحة في هذا البلد".
وكان هذا هو رد السيد "كارنيجي":
"إن المميزات المتاحة للشعب الأمريكي تعد مصدر قوة عظيمة. ولكن المميزات لا تنبت، مثل فطر عيش الغراب، بصورة فطرية، بل يجب إنشاؤها والمحافظة عليها من خلال تطبيق هذه القوة.
ومؤسسو نظام حكومتنا الأمريكية، من خلال نفاذ بصيرتهم وحكمتهم، أرسوا القواعد لكل أشكال الحرية، والتحرر، والثروات الأمريكية. ولكنهم أرسوا القواعد فقط، ومسئولية تبني هذه القواعد واستخدامها يجب أن يتولاها كل شخص يطالب يصيبه من هذه الحرية والثروة.
الفصل الثامن
وسوف أصف لك الآن بعض الاستخدامات الفردية لمبدأ العقل المدبر، بحسب ما يمكن تطبيقه في تطوير العلاقات الإنسانية المختلفة التي يمكن أن تسهم في اكتساب المرء لغاية كبرى محددة.
ولكني أتمنى أولاً أن أؤكد حقيقة مهمة وهي أن اكتساب غاية كبرى محددة يتحقق فقط من خلال سلسلة من الخطوات التي يكون فيها لكل فكرة يتأملها المرء، وكل صفقة يشترك فيها، وكل علاقة تربطه بالآخرين، وكل خطة يضعها، وكل خطأ يرتكبه تأثير حيوي في القدرة على تحقيق الهدف المختار.
ومجرد اختيار غاية كبرى محددة، حتى إن كتبت بلفة واضحة ورسخت في عقل المرء، لن يضمن تحقيقاً ناجحاً لهذه الغاية.
ويجب أن يدعم المرء غايته الكبرى ويتبعها بجهود مستمرة، والذي يعتبر أهم جزء فيها هو نوع العلاقة التي يؤسسها المرء مع الآخرين.
ومع ترسخ هذه الحقيقة في عقل المرء، لن يكون من الصعب عليه تفهم مدى ضرورة الحرص في اختيار الرفاق، وخاصة أولئك الذين يظل على اتصال شخصي وثيق بهم في العمل.
وها هي بعض مصادر العلاقة الإنسانية التي يجب على المرء ذي الغاية الكبرى المحددة أن يسعى إليها، وينظمها ، ويستخدمها في تقدمه لتحقيق هدفه المختار، وهي
العمل: بعيداً عن علاقة الزواج ( التي تعد الأهم من بين علاقات العقل المدبر كلها )، لا توجد علاقة مهمة كالعلاقة القائمة بين الموظف ومن يعملون معه في عمل معين.
فينزع كل شخص إلى تبني الأساليب، والمعتقدات، والتوجهات العقلية، ووجهات النظر السياسية والاقتصادية، وغيرها من السمات الصريحة التي يتبناها من يرافقهم خلال يوم عمله.
ومأساة هذه النزعة الكبرى تكمن في حقيقة أن أكثر من يُسْمَع لهم من بين الرفاق اليوميين ليسوا هم أكثر المفكرين سلامة في التفكير، ففي كثير من الأحيان يكون لدى مثل هذا الشخص الذي يستمع الآخرون له شكوى، ويستمتع بالإعلان عن هذه الشكوى بين زملائه في العمل.
تحليل "أندرو كارنيجي" لمبدأ العقل المدبر
وأكثر من يُسمع لهم أيضاً يكونون عبارة عن أشخاص ليست لديهم غاية كبرى محددة خاصة بهم. ولهذا، يكرس هؤلاء الأشخاص الكثير من وقتهم في التقليل من شأن من لديهم مثل هذه الغاية.
وأصحاب الشخصية الراجحة - الذين يعلمون ما يريدونه بالضبط - عادة ما تكون لديهم الحكمة للاحتفاظ بخططهم لأنفسهم، ونادراً ما يضيعون أي وقت في محاولة إحباط الآخرين. وهم منشغلون جداً في تعزيز غاياتهم لدرجة أنه لا يتوافر لديهم وقت ليضيعوه مع أي أحد أو في أي شيء لا يسهم بطريقة ما أو بأخرى في نفعهم.
وبعد إدراكنا أن المرء قد يجد في كل مجموعة من الرفاق شخصاً متعاوناً أوله تأثير مفيد، فإن شديدي التميز، ومن لديهم غاية كبرى محددة ينشدون تحقيقها، سوف يعبرون عن حكمتهم بتكوين صداقات مع هؤلاء الذين يبادلونهم المنفعة، ولديهم استعداد لذلك. وسوف يتجنبون الآخرين ببراعة.
وعلى نحو طبيعي، سوف يسعى هؤلاء الأشخاص إلى إقامة تحالفات قوية مع من يتمتعون بأكثر سمات مفيدة محتملة من السمات الخلقية، والمعرفية، والشخصية. ولن يغفل المميزون بالطبع من يشغلون مناصب أعلى شأناً، وسوف يتطلعون إلى
يوم الذي لا يتساوون فيه مع هؤلاء الأشخاص ذوي السلطة وحسب، بل يتفوقون عليهم، متذكرين في الوقت ذاته كلمات "أبراهام لينكولن" التي يقول فيها: "سوف أدرس وأعد نفسي، ويوما ما سوف تأتيني فرصتي".
والشخص ذو الغاية الكبرى المحددة البناءة لن يحسد من يعلونه منزلة، بل سیدرس طرقهم ويتعلم ليكتسب معرفتهم. ويمكنك أن تقبل کنبوءة صحيحة أن من يمضون وقتهم في الكشف عن أخطاء من يعلونهم منزلة لن يصبحوا أبداً قادة
ناجحين.
وأعظم الجنود هم من باستطاعتهم تلقي الأوامر من قادتهم وتنفيذها. ومن لا يستطيع فعل هذا وليس لديه استعداد له، فلن يصبح أبداً قائداً ناجحاً في العمليات العسكرية. وتصدق القاعدة ذاتها على أي شخص في أي مجال آخر من مجالات الحياة. فإذا فشل ذلك الشخص في مضاهاة من يعلوه بروح من الانسجام، فلن ينتفع أبداً من زمالته.
الفصل الثامن
وهناك ما لا يقل عن مائة موظف في مؤسستي ارتقوا إلى مناصب أعلى، ووجدوا أنفسهم أثرى مما يريدون. وهم لم يحصلوا على ترقيات بسبب ميول سيئة أو عادة الكشف عن أخطاء من فوقهم أو من تحتهم، بل حصلوا على ترقيات لأنفسهم من خلال النهم العملي من خبرات كل شخص يلتقونه، والاستخدام الفعلي لها.
والفرد الذي لديه غاية كبرى محددة يعد قائمة دقيقة لكل شخص يلتقيه، ويعتبر كل شخص من هؤلاء مصدراً ممكناً للمعرفة أو التأثير النافع، والذي قد يقترضه المرء ويستخدمه في التنمية الذاتية
وإذا نظر الشخص حوله في مكان عمله، فسوف يكتشف أن مكان العمل اليومي هذا هو فصل مدرسي يكتسب فيه أعظم تعليم على الإطلاق، وهو تعلیم ناتج عن الملاحظة والخبرة.