لا شك أن نسبة الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا بين محترفات الدعارة عالية وتفوق مثيلاتها في أي مجموعة أخرى من المجموعات الأكثر عرضه للإصابة، والسبب واضح وهو إقامة علاقات متعددة مع أشخاص مختلفين يومياً.
تختلف الأسباب المؤدية لا متهان الدعارة من مجتمع لآخر، وتنحصر معظم تلك الأسباب في الفقر الشديد كما في العشوائيات الأفريقية والشرق آسيوية ويكون الدخل المتحصل هو الوسيلة الوحيدة لإعاشة الداعرة وأسرتها وفي بعض قرى تايلاند ترسل الأسرة أحد بناتها للمدينة لامتهان الدعارة لتتكفل بإعاشة الأسرة. وقد تكون ممارسة الدعارة لأسباب أخرى مختلفة فتمارس كعمل "إضافي" بجانب المهنة الأصلية كوسيلة لزيادة الدخل والارتفاع بمستوى المعيشة أو للحصول على المخدرات مقابل ممارسة الجنس.
الدعارة مهنة منظمة تحميها المافيا أو ما يشابهها من التنظيمات الإجرامية التي تسيطر على المومسات سيطرة كاملة بالترويع والبلطجة وتستخدم جميع الوسائل لإخضاعهن وتستأثر بمعظم أرباح المهنة.
وأيا كانت دوافع امتهان الدعارة ونظمها وهي تخص أصلا الباحثين في العلوم الاجتماعية تبقي حقيقة مهمة بالنسبة للمهتمين بالأمور الصحية وهي أن تلك الفئة تشكل مصدرا رئيسياً من مصادر نشر أ.م.ج
وذلك للأسباب التالية: -
- كثرة التغيير والتعرض لأشخاص قادمين من مناطق جغرافية متعددة ومختلفة.
- الإهمال في العلاج وفي استخدام أساليب الوقاية التي تقلل من فرص نقل العدوي بسبب المستوى الثقافي المتدني للمومسات.
- تكون أعراض أ م ج بسيطة لا تلفت النظر في نسبة عالية من الإناث وترتفع بينهم ظاهرة الكمون
- لجوء الكثيرات منهن لإدمان المخدرات المحقونة كوسيلة للتغلب على واقعهن الأليم؛ وبذا تضيف طريقة أخرى لالتقاط عدوى أ. م. ج خاصة الإيدز.
الدعارة مثلها مثل أي عمل تجارى آخر تخضع لقانون العرض والطلب. تزدهر تجارة الجنس كلما زاد الطلب عليها وجود أعداد كبيرة من الذكور الذين لا تتاح لهم ممارسة الجنس الشرعي فنجدها تتركز بالقرب من الموانئ ومعسكرات الجيش وتجمعات العمال المهاجرين من الريف للمدينة أو من وطن لآخر، كذا في المدن السياحية ومناطق الترفيه.
وتعتبر ظاهرة الجنس التجاري من أهم المؤثرات في وبائيات أ.م.ج حيث يتم الاختلاط الجنسي بين عدد محدود من الإناث ترتفع بينهن نسبة الإصابة وعدد كبير من الذكور يلتقطون العدوى لينقلوها فيما بعد لزوجاتهم وهكذا تشمل الدعارة مركزا لتوزيع أ.م.ج إلى باقي أفراد المجتمع.
تركز البرامج التي تهدف للسيطرة على انتشار أ.م.ج على إرشاد محترفات الجنس التجاري (المومسات) إلى أساليب الوقاية من التقاط العدوي أو نقلها؛ وعلى سرعة التعرف على أعراض الإصابة، كذا أهمية البدء الفوري في العلاج. وتهتم تلك البرامج أيضاً بإنشاء وحدات علاجية قريبة من مناطق تجمعهم تعمل بأسلوب يكتسب ثقتهم ويحافظ على سريتهم بغض النظر عن الاعتبارات القانونية والأخلاقية ويرفع القائمون على تلك البرامج شعار: "وقاية المجتمع تعلو على أي اعتبار آخر".
إن السيطرة الطبية الكاملة على البؤر الرئيسية التي يبدأ منها الوباء وسيلة تمكن من وأد المشكلة في مهدها. وربما يجد الكثيرون غضاضةً واستنكاراً لمطالبة بعض إخصائي الطب الوقائي بعودة البغاء الرسمي المنظم تحت الإشراف الطبي فذلك أضمن لمحاصرة "أ.م.ج" ومنع انتشارها المهول المتوقع. البغاء موجود وعمره عمر البشرية، إما ظاهر على السطح تحت ملاحقة الأجهزة الوقائية أو مختبئ كالسوس ينخر في خشب المجتمع دون رقابة، بينما المنادون بالعفة في البرلمانات ووسائل الإعلام المزعومة مستكينون في بلهنية. الخير كل الخير في أن نكافح المرض في منابعه بدلا من ترك الأمور تستفحل بفعل الإنكار والمداراة وانعدام الشفافية. وهنا أورد الرأي الذي يتفق علية الأطباء المهمومون بمكافحة أ.م.ج في الكواليس ولا يجرؤون على التصريح به إشفاقاً مما سيلاقون من عنت وتجاوزات واتهامات من المزايدين، وهكذا تفلت الفرصة لمحاصرة انتشار أ.م.ج بكفاءة. وأُضيف أن واجب الطب الوقائي والعلاجي درء الأذى عن المجتمع ومنع انتشار الأمراض، متبعين الأسلوب العلمي المدروس الذي يحقق أحسن النتائج وأنجحها وفي هذا يختلف عن أساليب عن أساليب المصلحين الذين يتخذون من الوعظ والتذكرة وسيلة أثبتت التجارب فشلها.
مدمنو المخدرات
تؤثر مغيبات الوعي مثل المخدرات والكحوليات على السلوك الإنساني نتيجة تأثيرها الأول على القشرة المخية التي تحتوي على مراكز التحكم في الانفعالات فيجد المتعاطي صعوبة في السيطرة على تصرفاته ويفقد التردد الخجل وكل ما ينهي عن التصرفات القبيحة، وقد تراوده خيالات وأوهام تمنعه من تفسير الواقع أمامه تفسيرا صحيحا. إذا وصل المتعاطي لمرحلة الإدمان وهي القاعدة في بعض المخدرات خاصة الأفيون والهيروين الكوكايين والماكستون فَقَد الكثير من السمات الحميدة التي تميز الشخص السوي وقد يسلك أي سلوك مقابل حصوله على جرعته اليومية التي عادة ما تزيد بمرور الوقت مضاعفة مشاكله المادية، وقد يتجه إلى ارتكاب الجريمة من سرقة ودعارة واختلاس وقتل في بعض الأحيان للحصول على جرعته المخدرة. تلاقي المدمنون عاد للتعاطي سويا والتفنن في ابتكار وسائل جديدة لتناول المخدرات. وقد يتحول مدمن عقار بسيط (الحشيش مثلا وهو أقل المخدرات تسبيبا للإدمان) إلى إدمان ما هو أخطر ولا يمكن الخلاص من بسهولة (الهيروين والكوكايين) كما يمكن إغراء أحد المصابين حضر الجلسة مع صديق بتجربة التعاطي فيقدم عليه وفي ظنه أنها سوف تكون الأولى والأخيرة فيحول إلى مدمن" قراري" بعد مرة أو مرتين ومن المعروف أن الإدمان يمكن أن يحدث بعد عدد قليل من المرات. أذكر في هذا السياق نصيحة والدي لي وكان مثقفا مستنيرا يناقش الموضوعات الحياتية مع أولاده ويرشدهم بعيدا عن التهديد والوعظ الممل ولذا كنا لا ننصرف عنه أو نستمع له بنصف أذن. قال إن الإنسان لا يتعلم إلا من تجاربه الشخصية خاصة الفاشلة ومن المستحب أن يجرب كل شيء ما عدا الأفيون والميسر (القمار) فإدمانها سريع ولا فكاك منه فيما بعد.
مجموعات المدمنين من أخطر الفئات في نقل ونشر الأمراض المنقولة جنسيا لأسباب عدة أهمها:
1-التعاطي عن طريق الحقن من أسرع الطرق لنقل الأمراض وأكثرها كفاءة خاصة أن العرف قد جرى بينهم على المشاركة في نفس المحقن، وقد غاب عنى التفسير المقنع لتلك العادة وفكرت أنها قد تمثل طقسا من طقوسهم الغربية خاصة أن المحقن المعقم الجديد لا يتجاوز سعره بضعة قروش إلى أن سألت أحد مرضاي المدمنين عن السبب وكان رده غريبا لم يخطر لي على بال، قال: "باستخدام المحقن المشترك يضمن كل متعاطٍ الحصول على جرعته كاملة حيث لا يوجد فراغ مملوء بالهواء في الإبرة بخلاف إذا ما استعمل المحقن الخاص". وقد بينت الأبحاث سهولة انتقال الزهري والإيدز بتلك الطريقة وأصبحت توعية المدمنين بخطورتها من أهم عناصر المكافحة.
2. مع الانهيار في سلم القيم في مجتمعات المدمنين ينتشر الجنس الجماعي والتغيير المستمر في العلاقات وتزامن العلاقات وكلها عوامل تسهل حدوث أوبئة الأمراض المنقولة جنسيا بسرعة.
3. تدفع الحاجة إلى المال لتوفير المخدر بعض النساء لامتهان الدعارة (الجنس مقابل المخدر)
4. تلجأ بعض ممتهنات الدعارة لتعاطي المخدرات هروبا من الإجهاد والواقع الأليم الذي يعشنه.
أصحاب المهن التي تتطلب كثرة الترحال
ظل البحارة المثل الأشهر لأصحاب المهن التي تتطلب كثرة الترحال حتى بدء عصر الشركات متعددة الجنسيات والعولمة والنشاط التجاري الواسع الانتشار بين الدول، فنافسهم العاملون بها. كانت رحلات السفن ولا زالت تستغرق الأسابيع والشهور بين الموانئ يعاني فيها طواقمها الملل فلا شيء سوى العمل والطعام والعراك فيما بينهم، والعين تصبح وتمسي على منظر الماء والسماء والشمس والنجوم التي يبعث تكرارها على الملل مهما كان جمالها وشاعريتها. بوصولهم للميناء يبدأ الترفيه الصاخب وارتياد المطاعم والبارات، وتحظى الملاهي الليلية وأحياء الدعارة بسحر خاص بينهم، وعادة ما تقام بالقرب من منطقة الميناء. وتكون بداية المأساة اكتساب عدوى ومن ثم نقلها لزوجته لدى عودته في إجازة. يتعرض بعض رجال الأعمال إلى ظرف مماثلة في مهماتهم المتطلبة السفر للخارج، ورغم قصر المدة التي يمضيها هؤلاء عادة فالوحدة والملل بعد انتهاء أوقات العمل يدفعانهم لارتياد أماكن الترفيه أو الجلوس في بهو الفندق ويصبح الإغواء في تلك الحالة المزاجية سهلا ويصبح نقل العدوى للزوجة أكثر احتمالا بسبب العودة بعد وقت قصير والمرض لا يزال في أوائله أو في أواخر مدة الحضانة.