كما قال "أندرو كارنيجي" ذات مرة، من تحفزه غاية محددة ويسير نحو تنفيذ تلك الغاية بقواه الروحانية، فقد يستطيع تحدي من يترددون في القيام بالمهمة ويتخطاهم. ولا فرق بين كون المرء يعمل في الترويج لبوليصات التأمين على الحياة أم حفر القنوات.
والفكرة الفعالة المحددة، عندما تكون يانعة في عقل صاحبها، قد تغير أيضاً من الكيمياء البيولوجية في ذلك العقل لدرجة تجعله يتبني السمات الروحانية التي تعي أنه لا يوجد ما يسمى بالفشل أو الهزيمة، فنقطة الضعف الكبرى لدى أكثر الناس، كما اعتاد السيد "كارنيجي" أن يقول، هي أنهم يدركون العقبات التي يجب عليهم التغلب عليها دون إدراك القوة الروحانية المتاحة لهم والتي ستمكنهم من إزالة تلك العقبات بإرادتهم.
وأذكر، كما لو أن ذلك وقع بالأمس، الظروف التي تمكنت بها من إدراك القوى الروحانية المتاحة لي. ومن الغريب أن ذلك الإدراك أتي من الكتاب ذاته الذي ألهم "إدوارد بي. تشيس" لينقل نفسه إلى فئة أصحاب الإنجازات الأعلى في وظيفته المختارة، ألا وهو كتاب فكر وازدد ثراء.
وقد أحضرت زوجتي الكتاب من المكتبة العامة وطلبت مني قراءته. وفي اللحظة التي مست يداي فيها غلافه، وقبل أن أفتح الكتاب، شعرت بثورة غريبة
من الإلهام جعلتني أبدأ من ذلك الزمان والمكان في فتح الكتاب وقراءته. وقبل انتهائي من قراءة الفصل الأول، أدركت أن فعلاً غريباً من أفعال القدر ألقى هذا الكتاب بين يديه وأخذته معي إلى فراشي وقرأته من بدايته إلى منتهاه قبل أن أنام. وفي الصباح التالي، استيقظت رجلاً جديداً، فقد ولدت من جديد! وقد رحل عني التردد والشك إلى الأبد.
وفي ستة أعوام، مكنتني تلك الفكرة من إفادة الملايين من الناس في نطاق واسع من العالم. وبعد انتظار طويل، اكتسبت فن مشاركة ثرواتي مع الآخرين، واكتسبت الثروات الاثنتي عشرة في أكمل صورها وأجملها. فضلاً عن ذلك، اكتشفت "نفسي الأخرى" - تلك النفس التي لم أعرفها من قبل. وقد اكتشفت أيضاً وجود الممارسات التسع التي ترشدني في كل ما أقوم به.
وكنت متحمساً جداً لحياتي التي تغيرت لدرجة أنه بدا من الملح لي أن ألتقي مؤلف الكتاب وأشكره شخصياً على حظي الحسن. وكان العثور عليه أشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش؛ لأنه كان قد تقاعد ويعيش حالياً حياة منعزلة. ولم يستطع الناشر أن يمدني بعنوانه، لذا تعقبته من عنوان إلى آخر إلى أن حددت مكانه في النهاية بعد أن جبت القارة كلها ثلاث مرات في أثناء بحثي عنه.
ونتج توفي الشديد للقاء المؤلف عن شعور راودني بأنه لم يضع معرفته الكاملة عن موضوع الإنجاز الفردي في صفحات كتابه فكر وازدد ثراء. وكنت محقاً في هذا الافتراض؛ لأنني اكتشفت أنه لم يذكر سوى ثلاثة من المبادئ السبعة عشر للإنجاز الفردي في كتابه - وأنه ألف منهجا جديدا عرض فيه السبعة عشر مبدأ كلها.
ومن خلال تطبيقي مبدأ بذل المزيد من الجهد - وهو مبدأ أؤمن به تماماً - أغريت المؤلف أن يسمح لي بتحقيق جزء مهم جداً من غايتي المحددة الكبرى في الحياة، ألا وهو المساعدة على نقل هذه الفلسفة إلى عالم مريض في وقت كان في أمس الحاجة إليها. وقلت للمؤلف، مثلما أقول لك الآن، إنني أفضل الحصول على امتياز صياغة هذه النظرية في كتاب على أن أكون رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى هذا، فإنني أفضل الحصول على امتياز المساعدة على نشرها في العالم على حيازة كل ثرواته. وقد مُنحت هذه الميزة.
وقد طبقت امتیازی بطرق متنوعة، فقمت أولا بعرض هذه الفلسفة، رغم تقديمي لها في صورة موجزة، من خلال سلسلة من البرامج الإذاعية التي تذاع عدة مرات أسبوعياً.
ثم ساعدت على عرضها في صورة دروس مطبوعة، والتي يمكن نشرها بين الناس من خلال أكشاك بيع الجرائد ومتاجر الكتب في كل أنحاء البلاد.
وبعدها ساعدت على تصويرها في شكل أفلام يمكن عرضها في اجتماعات الشركات، وتوزيعها على الموظفين بمعاونة الإدارة.
وإضافة إلى هذه المنافذ للفلسفة، ساعدته على تنظيم سلسلة من المجموعات الدراسية الخاصة على مستوى البلاد لتعرض فيها. وكنت أبغي التعاون مع المعاهد الدينية في الأمة من خلال تقديم الوسائل التي يمكن بها إتاحة الفلسفة لأعضائها .
وقد اتفقت مع مؤلف الفلسفة على تأليف كتاب للأطفال تعرض فيه الفلسفة بلغة تستأسر خيالهم. وسوف يوزع هذا الكتاب من خلال متاجر الكتب، ويصير متاحاً للاستخدام في المدارس العامة.
وإلى جانب هذا، أتمنى القيام بإسهامات أخرى بتكشف الفرص أمامي، مما يؤدي إلى نشر هذه الفلسفة على نطاق واسع حتى تصير متاحة لكل شخص يبحث عن مكان له في الحياة.
وهكذا، نلت امتیاز کشف الأفكار الداخلية لعقل ألهمته غاية محددة كبرى في الحياة، ورغم أن المهمة تبدو كبيرة، فاسمح لي بأن أؤكد لك أن إسهامي كان عملاً محببا بالنسبة لي.
وكان التعويض الذي نلته في المقابل عبارة عن مكافأة متزايدة القيمة لا يعرفها إلا من اكتشف نعمة الحصول على الثروات من خلال مشاركة نعمه مع الآخرين. وتتزايد الثروات - الثروات الحقيقية في الحياة - بمقدار مساوٍ لمقدار وحجم المنفعة التي يدرها المرء على من شاركها معهم، وإني لأعلم صدق هذا الأمر، لأني أصبحت ثريّاً من خلال المشاركة. وإني لم أجلب نفعاً لأي شخص بأية طريقة إلا ونلت شيئاً في المقابل، من مصدر ما أو آخر، بعادل عشرة أضعاف المنفعة التي أسهمت بها للآخرين.
وخلال مشاركة ثرواتي مع الآخرين، لم أسعَ إلى أي تبجيل، لأني قدمت هباتي دون إعلام الآخرين بهويتي عدا في حالات نادرة كنت فيها مضطراً إلى كشفها.
فبدلاً من السعي إلى تعظيم أسمي. فضلت تعظیم روحي من خلال تقديم الخدمات النافعة للآخرين. والثروات التي قدمتها أضافت لثروتي وكياني.
كيف تعثر على غايتك الكبرى المحددة؟
من أغرب الحقائق التي تكشفت لي حقيقة أن أكثر طريقة لحل مشكلات المرء الشخصية ضمانا هي العثور على شخص لديه مشكلة أكبر ومساعدته على حلها وذلك من خلال تطبيق عادة بذل المزيد من الجهد بطريقة ما.
وهذه وصفة بسيطة، ولكن لها جاذبية وسحراً ، ولا تفشل أبداً. ولكن لا يمكنك اتباع الوصفة بمجرد قبولك أن دليلي صحيح، فلا بد أن تتبناها وتطبقها بطريقتك. وحينئذ لن تكون بحاجة لدليل على صحتها. بل ستجد أن هناك العديد من الفرص تحيط بك.
وقد يمكنك البدء من خلال تنظيم نادي زمالة بين جيرانك أو زملائك، وقلد نفسك دور القائد والمعلم للمجموعة. وسوف تتعرف هنا على حقيقة عظيمة أخرى - وهي أن أفضل طريقة لتطبيق مبادئ فلسفة تحقيق الإنجاز الفردي هي تعليمها الآخرين. فعندما يبدأ المرء في تعليم أي شيء، يبدأ أيضا في تعلم المزيد عن هذا الشيء الذي يُعلمه. وأنت الآن طالب تتعلم هذه الفلسفة، ولكن بمقدورك أن تصبح معلماً لها من خلال تعليمها للأخرين. وهكذا، سوف تضمن مقدماً حصولك على تعويض مقابل ذلك.
ومهما كانت المهنة التي تمتهنها، فإن هذه هي فرصتك الكبرى للعثور على نفسك من خلال مساعدة الآخرين على إضفاء السلام والانسجام على علاقاتهم. فالمدير الذي يرشد أتباعه باستخدام هذه الفلسفة سوف ينال ثقة هؤلاء الأتباع وتعاونهم التام.
وإذا لم تكن تبنيت بعد غاية كبرى محددة في الحياة، فها هي فرصتك لتفعل هذا. ويمكنك البدء من موضعك، وذلك بأن تساعد على تعليم هذه الفلسفة لمن يحتاجون إليها. ففي وقتنا الحالي لم تعد مساعدة المرء لجاره مفيدة فقط له هو فقط، حيث ينبغي على كل منا فعل ذلك كوسيلة للحفاظ على الذات.
فإذا اشتعلت النيران في بيت جارك، فسوف تتطوع للمساعدة على إخمادها حتى إن لم تكن حبال الود موصولة بينكما؛ فالمنطق السليم سيقنعك بأن هذا سيكون وسيلة لإنقاذ بيتك أنت.
ومن جانب آخر، من يتبنون فلسفة سليمة في الحياة سوف يجدون أنفسهم محاطين بوفرة من الفرص التي لم تكن موجودة منذ عقد مضى. ومن يحاولون التقدم دون أن تكون لديهم غاية كبرى محددة سوف يواجهون صعوبات أعظم بكثير مما يمكن للشخص العادي التعامل معها. والفرص الأكثر إيناعاً في عالمنا الحالي وفي الغد سوف تذهب إلى من يعدون أنفسهم للقيادة في المساعي التي اختاروها. وتطلب القيادة في أي مجال أساساً من الفلسفة السليمة؛ فزمن القيادة "العشوائية" انتهى إلى الأبد. وسوف تكون المهارات، والأساليب، والتفاهم الإنساني مطلوبة في عالمنا الدائم التغيير.
ولتعد قائمة - يا من ليست لديك غاية كبرى محددة - لتكتشف مدى توافقك مع هذا العالم المتغير، ولتعد نفسك لفرصك الجديدة، ولتحسن الاستفادة بها.
ولو كان باستطاعتي فعل هذا الأمر بدلاً منك، لكنت اخترت لك بلا شك غاية كبرى محددة تتناسب تماماً مع كل مؤهلاتك وحاجاتك، ولربما وضعت لك خطة بسيطة يمكنك بها تحقيق تلك الغاية، ولكن يمكنني خدمتك على نحو أفضل بتعليمك كيفية فعل هذا الأمر بنفسك. ففي مكان ما على طريقك، سوف تكشف لك الفكرة التي تبحث عنها عن نفسها. وكانت هذه هي التجربة التي مر بها كل طلاب هذه الفلسفة. وحينما تأتيك الفكرة ستدرك وجودها، لأنها ستأتي بقوة لا يمكنك الهرب منها. ويمكنك أن تكون واثقاً بهذا الأمر، بشرط بحثك الصادق عنها.
ومن السمات المتغيرة لهذه الفلسفة هي أنها تلهم التوصل لأفكار جديدة ، وتكشف عن وجود فرص لتحقيق التقدم الذاتي كان المرء يغفل عنها سابقاً، وتلهمه الاستمرار في مبادرته الشخصية إلى اعتناق تلك الفرص وحسن الاستفادة بها. وهذه السمة من الفلسفة ليست وليدة المصادفة، بل هي مصممة لإحداث تأثير معين؛ حيث من الواضح أن الفرصة التي يصنعها المرء لنفسه . أو الفكرة التي قد يلهمها من خلال تفكيره - تكون أكثر قيمة من أية فرصة أو فكرة يقترضها من الآخرين، لأن العملية البسيطة التي يخلق بها المرء أفكاراً نافعة تؤدي به إلى اكتشاف المصدر الذي يمكنه من الحصول على أفكار إضافية عند الحاجة.
وفي حين أنه لأمر مفيد أن تتمكن من بلوغ مصدر يمكنك تلقي الإلهام الضروري لصناعة أفكارك الخاصة منه، ونظرا لكون الاعتماد على الذات ممتلكاً لا يقدر
بثمن، فقد يأتي وقت تحتاج فيه إلى أن تنهل من مصادر العقول الأخرى. وهذا الوقت قادم لا محالة لمن يطمحون إلى القيادة في فئة عليا في الإنجاز الشخصي.