يعرف الناس صورة مريض الاكتتاب من خلال مظهر الحزن والأسى وتعبيرات الكآبة التي تبدو عليه واذا لم تكن صورة الشخص على هذا النحو فإنه من الصعب أن يتصور الشخص أنه يعاني من الاكتتاب وتسيطر هذه الفكرة على اذهان الجميع من عامة الناس ومن الأطباء ايضا فالصورة التقليدية للإكتاب كما وصفناها في موضع سابق من علاماتها تعبيرات الوجه التي ترتسم عليها علامات الحزن ويطء الحركة والميل الى العزلة، غير أن هذه الصورة التقليدية للاكتتاب قد لاتكون واضحة ورغم ذلك يعالي الشخص من حالة الاكتتاب التي يطلق عليها " الاكتئاب المقنع " Masked depression" وهي إحدى الحالات التي يقوم بتشخيصها الأطباء النفسيون من خلال دراسة تاريخ المريض وتتبع الشكوى التي يعاني منها، واستخدام بعض المقاييس التي تساعد على تشخيص هذه الحالة.
ماذا يعني الاكتئاب المقتع ؟
يستخدم مصطلح الاكتتاب المقنع أو المستتر او مصطلح "مكافئ الأكتتاب" Degressive equivalent التعبير عن حالة مرضية من أهم أعراضها وجود مشکلات سطحية او نفسية أو سلوكية يعاني منها الشخص لقترة طويلة ولا تظهر عليه أي علامات واضحة للاكتتاب ويذهب المريض للعلاج الى الأطباء من مختلف التخصصات ويتم وصف الأدوية المختلفة له حيث أن تشخيص هذه الحالة يكون غامضا بالنسبة للمريض والطبيب معا، وبعد استخدام الأدوية لا يحدث ای تحسن في حالة المريض فيذهب لي طبيب أخر ويكرر الفحص ويغير الأدوية ويتكرر ذلك عدة مرات على مدى شهور أو سنوات لكن حالة المريض لا تطفي ويستمر في المعاناة من الأعراض المرضية، وقد يذهب بعد ذلك ربما بالصدفة الى الطبيب النفسي فيتمكن من تشخيص حالته على أنها نفسية وليست عضوية ويصف له الأدوية المضادة للاكتئاب فتتحسن الحالة ويتم وضع حد لمعاناة المريض.
ومن الأعراض الشائعة لحالات الاكتتاب المقنع وجود شكاوی جسدية تشبه الأمراض العضوية المعروفة ومنها على سبيل المثال لمرضى الذين يعانون من الصداع لفترات طويلة دون وجود سبب عضوي واضح، وحالات عصر الهضم، والآلام المعدة والامساك والآلام البطن، وحالات الآلام الظهر المستمرة، واوجاع المفاصل، او اضطراب ضربات القلب الشعور بألم في الصدر يشبه اعراض مرض القلب او ضيق التنفس، او الشعور بالآلام متفرقة غامضة في ای جزء من أجزاء الجسم ويظن المريض انه يعاني من حالة مرضية عضوية فيتجه الى الطب الباطني والتخصصات الطبية الأخرى لطلب العلاج ،وقد يجری المريض بعض التحاليل المعملة أو فحوص الاشعة بناء على طلب الأطباء بحثا عن اي خلل في اعضاء الجسم لكن هذه الفحوصات تكون نتيجتها في الغالب سلبية لأن هذه الأعراض ناتجة عن الحالة النفسية وسببها هو حالة الاكتتاب المقنع.
دراسة حول الاكتئاب المقنع
في دراسة قمت بإجرائها في مدينة الاسكندرية على مجموعة من حالات الاكتتاب المقنع كانوا يترددون على العيادات الباطنية في المستشفيات ويعانون من اعراض مختلفة تشبه اعراض الامراض العضوية جاءت النتائج لتشير الى وجود هذه الحالات وانتشارها وعدم تشخيصها من جانب الأطباء، ولم يكن معظم المرضى يعلمون انهم يعانون من حالة الاكتتاب لأن الاعراض الرئيسية لديهم كانت الآلام جسدية او مشكلات صحية جعلتهم يعتقدون أن علاجهم لدى اطباء الأمراض الباطنة والجراحة والتخصصات الأخرى غير الطب النفسي .
وظل هؤلاء المرضى يترددون على العيادات والمستشفيات لفترات طويلة وصلت في بعض الحالات الى 20 سنة لم يتم خلالها التعرف على حقيقة الحالة التي يعانون منها، وظلوا خلال هذه المدة يعتقدون انهم مصابون بأمراض جسدية واستخدم بعضهم الكثير من أنواع الأدوية، وأجريت لهم التحاليل والفحوص الطبية المختلفة، بل لقد وصل الأمر إلى إجراء بعض العمليات الجراحية لبعض هؤلاء المرضى دون أن تتحسن حالتهم إلى أن تم اكتشاف انهم يعانون من حالة الاكتتاب المقنع الذي يسبب لهم كل هذه المشكلات المرضية .
لا تغيب عن أذهانهم فكرة أن تكون حالة المريض الذي لا يتحسن بالعلاج التقليدي او تطول فترة المرض الذي يعاني منه دون استجابة للعلاج هي حالات كتتاب مقنع يجب دراستها جيدا وتحويلها إلى الأطباء النفسيين للتعامل معها بالأسلوب الأمثل، وهذه مسئولية كل الأطباء وخصوصا في الطب العام الذي يعتبر الخط الأمامي حيث يمكن اكتشاف الكثير من الحالات في الوقت المناسب .
وبعد أن القينا الضوء على هذا الوجه الاخر للاكتتاب فإننا حين تصادف بعض المرضى الذين يشكون من الآلام غامضة ويترددون على العيادات والأطباء لفترات طويلة أو الذين تحدث لهم بعض الأعراض بصفة دورية ای لبعض الوقت ثم تختفي لتبيل وتظهر مكانها اعراض اخرى فإن كل هذه العلامات تدل على ان هناك سبب نفسي وراء هذه المشكلات الصحية وربما يكون الوعي بهذا الوجه الاخر للاكتئاب هو المفتاح لتشخيص الكثير من هذه الحالات وتجنب المعاناة التي يعيش فيها هؤلاء المرضى لوقت طويل .