نحن نتجه إلى التوتر والاكتئاب :

إن تحليل السلوك الإنساني في كثير من الأحوال يؤكد أن الإنسان يسعی إلى القلق ويميل إلى خلق التوتر، تم ياخذ بعد ذلك في العمل على حل المشكلات التي أوجدها لنفسه حين خلق بعض العوائق في حياته ثم راح يحاول احتكامها، وعلى سبيل المثال فإن اللص الذي يقضي الليل ساهرا يطارده رجال الأمن ويواجه الكثير من الأخطار أقلها القبض عليه ليدخل السجن، هذا اللص لو فكر وتأمل ف ي موقفه وما يحد من جهد بدني ونفسي لوجد أنه يمكن أن يحصل على نفس المكاسب تقريبا بطريقة أخرى أفضل، وهذا المثال ينطبق على كثير من الناس في س عيهم اللاهث في الحياة وراء اهداف واهية حيث يعيشون الاكتئاب والاضطراب في محاولة تحقيق غايات لا تستحق ذلك الجهد والعناء، ولا يحقق الوصول إليها ای إشباع لهم أو ارتياح .

ولا يفيد اتجاهنا إلى الاكتئاب والتوتر وسعينا لخلق العوائق ومحاولة اقتحامها في معظم الأحوال، فقد تتصور في بعض الأحيان أن بعض الأهداف التي نسعى للوصول إليها هي المصدر الوحيد للسعادة، ونرى في عدم تحقيقها سببا مصدرا لتعاستنا ويتملكنا القلق والاكتئاب، وقد تكون هذه الأمور التي تعطيها قيمة كبيرة أشياء تافهة لا قيمة لها، ولا تساوی بالمرة معاناة القلق والاكتئاب النفسي .

ونحن نسعى إلى القلق والاكتئاب في أحيانا كثيرة حين نستسلم لبعض الانفعالات السلبية في داخلنا، فالذين يشغلون أنفسهم بالحقد على الآخرين نتيجة لما لديهم من مزايا وممتلكات، ولا يكفون عن السخط على حظهم في الحياة مقارنة بغيرهم، أن ذلك يثير في نفوسهم الاكتئاب والقلق نتيجة لعدم الرضا عن أنفسهم وعن حظهم في الحياة، وهناك من الناس من يستهلك وقته وطاقته في محاولة إنزال العقاب والأذى بالآخرين اعتقادا منهم أن في ذلك قصاص منهم يستحقون لأنهم ارتكبوا الأخطاء في حقهم، أن ذلك يستهلك من الوقت والطاقة الكثير الذي يمكن توجيه إلى ما يفيد، إضافة إلى القلق والاكتئاب الذي ينشأ عن شعور الغيظ والغضب حين نحاول عقاب من أخطأوا في حقنا، ألا ترى معي- عزيزي القاري - أتنا بوسعنا حل مشكلة القلق والاكتئاب وان نريح أنفسنا إذا اعتبرنا أولئك الذين ينصابوننا العداء م ن الجهلاء والمضطربين وعلينا أن نسامحهم بدلا من أن نكون مثلهم .

لماذا يتملكنا القلق والاكتئاب

في العيادة النفسية - كما في الحياة - يحاول الناس تبرير مشاعر القلق والاكتئاب التي تتملكهم وتسيطر عليهم حتى أنه تتملكهم وتسيطر عليهم حتى أنه تؤدي إلى إعاقة مسيرتهم في الحياة وتوقف نشاطهم المعتاد، وقد يكون الموقف الذي يعتبره الشخص أنه السبب فيما أصابه من قلق واكتئاب مجرد هموم وهمية أو مخاوف لا أساس لها أو أمور تافهة من وجهة النظر الموضوعية لكنها تمثل بالنسبة لهذا الشخص مصدر خطر وقلق وتهديد، إن المشكلة إذا هي طريقة تفسيرنا للأمور في البداية في غير صالحنا، ثم نتولى هزيمة أنفسنا نتيجة الخطا في الحكم والاستنتاج وينتهى الأمر بالاستسلام للقلق والاكتئاب .

وفي حالات المرض بصفة عامة -أي مرض- فإن الناس تستجيب بالقلق والاكتئاب خوفا من المضاعفات التي تسبب تدهور الحالة الصحية أو خوفأمن الموت الذي يكون في ذهن المريض عادة ويدفعه إلى طلب العلاج لدى الأطباء وهناك حالات مرضية بسيطة قد ينشأ عنها قلق متزايد، منها على سبيلا المثال حالة فتاة تملكها القلق بعد ظهور حب الشباب في وجهها وشاب، نتيجة لسقوط شعر راسه وخوفه من الصلع المبكر، والغريب في مثل هذه الحالات ما يحدث أحيانا من تحصن في الحالة الأصلية التي أدت إلى القلق والاكتئاب بينما تسيطر على المريض مظاهر الاضطراب النفسي وهي الأسوأ ؟

إن القلق او الاكتئاب قد يكون في أصله فكرة سلبية تسللت إلى داخلنا وبدأت في السيطرة علينا، فقد وجد أن أي واحد منا يمكن أن يثير نفسه الفعالية في اتجاه سرور او قلق أو اكتتاب تبعا لما يردده بينه وبين نفسه من أفكار ، فعلى سبيل المثال يمكن لنا حين نقول لأنفسنا :"الحمد لله، فالأحوال ممتازة، المستقبل مشرق بالأمل " فإن هذه العبارة يكون لها تأثير نفسي سار ومنشط يظهر علينا، بينما عبارة أخرى ترددها مع أنفسنا نقول : "الحياة كلها مشكلات ملاعب لا حل لها" يمكن أن تثير في نفوسنا مشاعر القلق والاضطراب والقلق والاكتئاب، وهذا ينطبق حتى على ما يدور في نفوسنا من مشاهد وتخيلات، حيث نشعر بالهدوء والارتياح عند التفكير في موقف رومانسي جميل هادي، بينما نشعر بالقلق والإثارة عند تخيل مشهد حادث أو عنف أو إثارة جنسية .

الأبيض والأسود .. والرمادي :

مصدر القلق والمتاعب والاكتئاب لكثير من الناس هو أنهم لا يستطيعون قبول "الحال المايل" فهم ينشدون الكمال ويريدون أن تكون كل أمور الحياة من حولهم في حالة من الانضباط، وواقع الحال أن شيئا واحد في كل ما يحيط بنا لا يسير باسلوب مثالي متكامل يخلو من العيوب والنقائص، تلك إحدى سنن الحياة في مجتمعات العالم المختلفة في عصرنا الحاضر، ومن هناناتی متاعب هؤلاء الأشخاص الذين يريدون أن تكون الأشياء إما بيضاء أو سوداء أي إيجابية أو سلبية، ولا مجال للأمور الوسط في اعتقادهم أو بمعنى أخر للون الرمادي الذي هو خليط من الأبيض والأسود معا.

وإذا نظرنا حولنا سنجد أن كثيرا من الأشياء يختلط فيها الحسن بالسيء، أو الخير والشر معا، والبعض منا الذين لا يستطيعون التعليم بأن علينا أن نقبل الحياة بجوانبها الطبية والسلبية معا عادة ما يصطدمون بالواقع في مواقف كثيرة، فالشي ء الذي يبدو لنا سيئا قد يكون فيه بعض المميزات، لكن البعض منا تكون طريقته ف ي التفكير وتناول الأمور هي التركيز على الجوانب السلبية وتجاهل الإيجابيات، ويرتبط ذلك الأسلوب في التفكير بالتعصب وعدم التوافق والقلق والاكتئاب .