تختلف المراة في تكوينها النفسي عن الرجل حيث أن شخصية المراة وحياتها النفسية بها الكثير من أوجه الخصوصية، ويقال أن المرأة تملك بعض الصفات والقدرات البيولوجية والعاطفية بما يفوق ما لدى الرجال غير انه من الناحية العملية فإن الإحصائيات، تؤكد أن اصابة المراة بالاكتتاب تزيد نسبتها مقارنة بالرجل، وهنا نبحث في الأسباب وراء زيادة نسبة الإصابة بالاكتئاب فی المرأة والأسباب التي تؤدي الى ذلك .
شخصية المرأة وشخصية الرجل
إذا تتبعنا مسيرة المرأة في الحياة منذ الطفولة، وحاولنا أن نلاحظ التغييرات النفسية والعاطفية التي تؤثر عليها نجد أن البنات في مرحلة الطفولة اقل تأثرا بالاضطرابات النفسية مقارنة بالذكور بنفس مراحل السن كما يلاحظ ايضا لن نمو البنات البدني والنفسي في الفترة التي تسبق البلوغ، وهي مرحلة الطفولة المتأخرة يتفوق على نمو الأولاد من الذكور في هذه الفترة ثم تأتي بعد ذلك مرحلة المراهقة التي تبدا بعلامات البلوغ، وما يصاحبها من تغيرات بدنية في شكل الجسم ووظائف أعضائه وإفراز الهرمونات، وكذلك التغييرات النفسية التي تصاحب البلوغ وتحدث هذه التغييرات النفسية نتيجة لملاحظة الشاب او الفتاة لملامح جديدة في جسده ليست مالوفة له من قبل، وفي البنات بصفة خاصة يكون بداية نزول الحيض للمرة الأولى هو الإيذان بداية مرحلة المراهقة التي ترتبط بالكثير من العوامل النفسية التي قد تسبب الاضطراب النفسي .
وإذا انتقالنا الى المراحل التالية في حياة المراة فإننا نجد أنها تمر بمواقف انفعالية متعددة، وفي مردة الشباب والنضج تواجه المشكلات المتعلقة بالارتباط العاطفي، والزواج حيث يعتبر احدى المحطات الهامة في حياة المرأة بداية من مرحلة الاختيار الزواج ثم التحضير والتوافق ثم الارتباط الفعلي والانتقال الى حيلة زوجية ترتبط هذه المرحلة بالكثير من الأحلام والافكار الخيالية التي غالبا ما تنتهي ببدء الاجراءات الفعلية للزواج والانتقال إلى الحياة الواقعية التي تتضمن اعباء ومسئوليات الزواج كل ذلك قد يمثل بعض الضغوط النفسية التي تؤدي في بعض الحالات الى اهتزاز الاتزان النفسي، ومن خلال الدراسات فقد تبين أن الفترة الأولى للزواج تشهد العديد من الصعوبات في نسبة تزيد عن 50 % من حالات الزواج حيث يكون التوافق بين طرفي الزواج غير ممكن، ويحدث بعض الشد والجذب بين الطرفين حتى يستقر الأمر في النهاية اما بالاستمرار في الزواج او تدهور العلاقة بين الزوجين نتيجة للخلافات الزوجية التي قد تؤدي الى الطلاق.
مشکلات في حياة المرأة
كما هو معروف فإن حياة المرأة تتضمن الكثير من الخبرات والمواقف الخاصة بها والتي لايعاني منها الرجال فعلي ذلك هو السبب في وجود تخصص طبی مستقل يطلق عليه طب أمراض النساء بينما لايوجد تخصص أخر موضوعه امراض الرجال ولعل السبب في ذلك هو ما تتميز به المرأة من خصائص بيولوجية ونفسية في الدورة الشهرية المعروفة وحدوث الطمث ومشكلاته، والحمل والولادة والنفاس، ثم الأمومة ورعاية الأطفال كلها أمور خاصة بالمرأة فقط ليس لها مقابل في عالم الرجال، وفي مرحلة ما يصطلح على تسميته "س ن الياس " وهي الفترة التي تبدا بانقطاع الحيض في المرأة حول من 50 – 45 سنة فإن هناك نوع آخر من الهموم تواجهه السيدات في هذه المرحلة ويرتبط بظهور بعض الأعراض البدنية والنفسية ومنها الاكتئاب .
ومن المشكلات الخاصة بالمرأة أيضا مواجهة أعباء الحياة الزوجية وفي حالة عدم الزواج مواجهة أعباء ومشكلات الحياة بدون زواج (أو العنوسة) وما يسببه ذلك لها من الام نفسية وشعورا قاتل بالوحدة وهناك مشكلات عدم التوافق في الحياة الزوجية التي تنتهي عادة بالانفصال بين الزوجين أو الطلاق ويترتب على ذلك الكثير من المشكلات خصوصا إذا صاحب ذلك بعض الصراعات والمشكلات القانونية كما أن الواجبات المنزلية للمراة كربة بيت تمثل ضغطا نفسيا نتيجة للملل والرتابة في حياتها وإذا خرجت المراة للعمل فإن مسئوليات العمل تكون بمثابة عبء اضافي يثقل حياتها ويتضمن الكثير من الضغوط النفسية والجسدية عليها، كل هذه المشكلات والصعوبات التي تواجهها المرأة بصفة خاصة قد تؤدي في النهاية لاصابتها بالاضطرابات النفسية بصفة عامة والاكتئاب بصفة خاصة.
مشكلات المرأة في العيادة النفسية
هناك مجموعة من الشكاوى نسمعها باستمرار من المترددات على العبادة النفسية التي اصبحت مألوفة للأطباء النفسيين لكثرة تكرارها، منها على سبيل المثال :
- اتقلب على فراشي دون نوم طول الليل واصحو من النوم في حالة مزاجية سيئة منذ الصباح .
- ابکی احيانا دون سبب واضح للحزن، وفقدت الاهتمام بكل شئ في الحياة .
- حينما اعود من عملى خارج المنزل اجد في انتظاري الكثير من أعمال البيت مثل النظافة واعداد الطعام والعناية بالاطفال ثم تنفيذ مطالب زوجي ولا اجد لحظة واحدة للراحة حتى كدت اصاب بالانهيار .
- أنا ربة بيت اقضي اليوم بكامله بالمنزل ورغم انني مشغولة طول الوقت بأعمال البيت فإنني اعاني من الشعور بالملل واتطلع الى أي فرصة اترك فيها المنزل ووصل بي الامر الى حالة من الياس والملل القاتل .
وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة كبيرة من السيدات لديهن مشكلات نفسية في مقدمتها الاكتئاب وتفسير ذلك هو عدم اقتناع المرأة بدورها كربة بيت والاعباء التي تصادفها إذا عملت خارج المنزل بالإضافة إلى مسئوليات تربية الأبناء وكل هذه الأمور تتسبب في شعور سلبي لدى المراة بعدم الرضا عن دورها داخل وخارج المنزل ويرتبط ذلك بزيادة حدوث الاكتئاب.
وهناك مرض ورد في مراجع الطب النفسي يتميز بشعور الارهاق ومعاناة آلام جسدية غامضة وشعور بالعزلة والملل وعدم الإقبال على القيام . بالأعمال المنزلية وتصيب هذه الحالة ربات البيوت بصفة خاصة وأطلق على هذه الحالة مرض " ربات البيوت " ويعود سببه الى الاحساس السلبي لدى السيدات بعدم الرضا وعدم الاشباع نتيجة للرتابة والمال رغم ما تبذله ربة البيت من جهد كبير داخل المنزل، وفي دراسة قمت بها على عينة من حالات الاكتئاب النفسي في مدينة الاسكندرية كانت غالبية الحالات من السيدات بنسبة 66 % وكانت نسبة ربات البيوت في السيدات من مرضى الاكتئاب 70 %.
العلاقة بين المرأة والاكتئاب :
لعلنا نلاحظ أن المرأة في علاقتها بالاكتئاب كانت المثال للشي ونقيضه، فهي اكثر عرضة للإصابة سواء تزوجت أو لم تتزوج، انجبت اطفالا أم لم تنجب،خرجت للعمل ام جلست بالمنزل او لعل هذا يذكرنا بما يردده بعض المتشائمين: لن يستريح الانسان الا في قبره وان كنا نبادر الى رفض هذا القول وترى فيه دعوة الى الاحباط، فبل راحة البال والسلام النفسي موجودة في داخلنا ومن حولنا، ولاذنب لأحد إذا كنا أحيانا تضل الطريق اليها، ومن وجهة نظري أن التحليل المنطقي للإرتباط بين المراة والاكتتاب ربما كان وراء انخفاض تقدير المرأة لذاتها في مقابل سيادة الرجل في الأسرة والمجتمع، وقد يدفعها ذلك الي محاولة الجمع والتفوق في مجالات عديدة دون الانتباه إلى أن قدراتها وامكانياتها محددة، واوضح ذلك فأقول انه يصعب أن يتأتى للمرأة أن تكون موظفة او سيدة اعمال ناجحة وفي نفس الوقت زوجة رائعة، وام مثالية، وربة بيت ممتازة، وطاهية طعام ماهرة واری كطبيب نفسي أن المرأة إذا قيمت امكاناتها بموضوعية واعتدال، وتوصلت الى تسوية أو حل" حل يرضي جميع الأطراف " توفق فيه بين هذه المجالات المختلفة ،فإنها في هذه الحالة تستطيع أن تعيش حياة نفسية مستقرة وتحتفظ بتوازنها وصحتها النفسية في مواجهة الاكتئاب .