يحاول كل من يتعرض لحالة الاكتئاب النفسي ان يجد سببا واضحا للحالة بشكل مباشر، فإذا فرض ان اعراض الاكتئاب بدأت بعد حدوث واقعة معينة مثل وفاة أحد الأعزاء أو مشكلة عاطفية أو خسارة مالية، فإننا في هذه الحالة نقول أن هذا الحديث هو السبب المباشر في حدوث الاكتئاب، لكن هناك الكثير من الناس يتعرضون لنفس المواقف ولا يصابون بالاكتئاب، وعلى ذلك فإننا يجب ان نحاول في كل حالة من حالات الاكتئاب تحديد السبب الحقيقى لحدوث هذه الحالة قد ثبت من خلال الدراسات النفسية أن هناك عامل وراثی قوی وراء الإصابة بحالات الاكتئاب، وحتى إذا ظهر المرض بعد التعرض لمشكلة معينة فإن وجود استعداد مسبق لدى المريض هو في الغالب السبب الأساسى لإصابته بالاكتئاب لذلك نقول ان الاكتئاب لن يكن سوى حلقة اخيرة في سلسلة تفاعلات انت فى النهاية الى صورة الاكتتاب المعروف .
دور الوراثة في مرض الاكتئاب
لعل أول ما يلفت الانتباه هو انتقال الاكتئاب عبر الأجيال، وهذا ما نلاحظه عند دراسة الأسر التي تتميز بوجود حالات متعددة لمرضى الاكتئاب، ومن خلال الدراسات النفسية فقد تبيں زيادة نسبة الاكتئاب ف ى أقارب الدرجة الأولى للمرضى تؤكد الدراسات أن عدد الأفراد الذين يعانون من الاكتئاب في اسرة المريض يزيد بمقدار 3 أضعاف عن الأسر العادية، وهذا يؤكد العامل الوراثي في مرض الاكتئاب، ويلاحظ ايضا وجود ارتباط بين الاكتئاب وبعض الاضطرابات النفسية الأخرى مثل الشخصية الاكتتابية التي لديها استعداد ورائی اللاصابة بالاكتئاب كما أن هناك علاقة بين الاكتئاب وامراض نفسية أخرى مثل الفصام، و الصرع، والإيمان والتخلف العقلي، وفي هذا المجال يجب أن نتذكر ان الأطباء النفسيين حين يقومون بفحص حالات الاكتئاب لابد أن يجمعوا المعلومات حول الوالدين والأجداد والأخوة والأخوات والأبناء وكل أقارب المريض .
ويتم توجيه السؤال للمريض بطريقة بسيطة حتى نتأكد من فهم المريض لما نقصد بأن نقول:
- هل اصيب احد افراد اسرتك بالحزن الشديد وكثرة البكاء ؟
- او هل يوجد في اقاربك شخص عنده مشکلات تشبه وضعك الحالي ؟
- أو هل تم علاج احد اقاربك لدى دكتور نفسانی او في احدى المستشفيات النفسية ؟
ومن خلال اجابة المريض على مثل هذه الأسئلة يمكن لنا التعرف على وجود تاریخ مرضى في الأسرة او وجود عامل وراثي في إصابة المريض بهذه الحالة.
هل ينتقل الاكتئاب عبر الأجيال ؟
قد شغل هذا السؤال علماء النفس، وقد حاولوا الإجابة على مسألة انتقال مرض الاكتئاب بالوراثة عبر الأجيال، ومن خلال الدراسات التي أجريت على التوائم الذين يعيشون معا، أو ينفصل أحدهم ليعيش في مكان بعيد عن الاخر تبين ان الاستعداد الورائي للاكتئاب يوجد لدى التوائم بغض النظر عن الظروف المحيطة بهم مما يؤكد وجود عامل وراثی قوی يؤدي الى انتقال الاكتتاب بالوراثة عبر الأجيال .
وفي ابحاث أخرى تم تناول الصفات الوراثية، وطريقة انتقالها من الأبوين الى الأبناء أو من جيل إلى آخر، وتم دراسة " الجينات " وهي المورثات التي تحتوي على شفرات بها معلومات دقيقة تفصيلية بكل الصفات الجسدية والنفسية يتم انتقالها من جيل الى اخر، ولابد أن نعلم أن هذه المسالة بالغة التعقيد، وتتجلى فيها قدرة الخالق سبحانه وتعالي، ولم يصل العلم بعد الى كل اسرارها لكننا من الناحية العملية يمكن لنا الاستفادة من هذه المعلومات في التنبؤ في حدوث حالات الإكتئاب، والتخطيط للوقاية منه ولقد قطع العلم شوطا كبيرا في كشف عملية انتقال مرض الاكتئاب وراثيا، وتم تحديد تفاصيل هذا الإنتقال من خلال علم الوراثه، ودراسه الجينات، والكرموسومات التي يتم من خلالها انتقال هذا المرض عبر الأجيال .
دراسات اخرى حول انتقال الاكتئاب بالوراثة
هناك من الناحية العملية الكثير من الأسئلة يتم توجيهها إلى الأطباء النفسيين، وتتطلب الاجابة عليها بشكل واضح ومفهوم بالنسبة للمريض واهله، ومن امثلة هذه الأسئلة التي تصادفنا في ممارسة الطب النفسي ويصعب علينا الاجابة عليها بطريقة علمية السؤال الذي يتوجه به بعض الراغبين في الزواج حول امكانية انتقال مرض الاكتئاب الى الأبناء في المستقبل واذكر هنا حالة فتاة توجهت الى بالسؤال التالي :-
- خطيبي يعاني من حالة اكتئاب نفسي هل اقدم على الزواج منه ؟
وسؤال اخر وجهته لي احدى السيدات المتزوجات حديثا حيث تقول :-
- زوجي تم علاجه من حالة الاكتئاب وتحسنت حالته الآن فهل يمكن أن يصاب اطفالنا بالاكتئاب ؟
وزوج يسأل :-
- والدة زوجتي اقدمت على الانتحار بعد اصابتها بمرض الاكتئاب فهل هناك احتمال بأن تصاب زوجتي بهذا المرض ؟
والواقع أن الإجابة على مثل هذه الأسئلة ليست بالأمر السهل خصوصا أن المعلومات أو الكلمات التي سوف تحدث بها الطبيب النفسي الى مرضاه يتضمن قدرا كبيرا من المسئولية عن تغيير حياتهم، وقد تنفعهم إلى اتخاذ قرارات مصيرية تؤثر على مستقبلهم، ومن خلال الدراسات النفسية فإن حتى يومنا هذا لا يوجد اختبار معين يمكن من خلاله التنبؤ إذا ما كان المريض النفسي الذي يعاني من الاكتتاب سوف ينجب أطفالا مصابين بنفس المرض .
في احدى الدراسات العلمية التي تم اجرائها بأسلوب الاستبيان بتوجيه اسئلة معينة تم اختيار مجموعة من مرضى الاكتئاب من الرجال وتوجيه سؤال الى كل منهم والى زوجة كل منهم هذا نصه:-
- لو إنك كنت تعلم عن حالتك ما تعرفه الآن هل كنت ستقدم على الزواج؟
والنتيجة أن 9 من كل 10 من مرضى الاكتتاب كانت اجابتهم نعم بينما كانت اجابة زوجات مرضى الاكتتاب في نسبة تزيد على 50 % منهم.. لا . ومن الظواهر الطريفة التي تأكد وجودها من خلال الدراسات أن مرضى الاكتئاب يميل بعضهم إلى بعض عند الاختيار الزواج حيث يصدق المثل المعرف " الطيور علی اشكالها تقع " ای آن مريض الاكتئاب يميل الى من تتشابه معه في الصفات لتكون شريكة لحياته وهذا يزيد من فرص اصابة الابناء بالاكتئاب ايضا، ولا زال هناك الكثير امام علماء الطب والوراثة ليتم كشف اسرار العوامل الوراثية في مرض الاكتئاب النفسي.