وقبل أن نتعمق اكثر في اغوار النفس البشرية حتى نقف على مايدور بداخلها ويمهد لظهور حالة الاكتئاب، فإننا نلاحظ في حالات كثيرة وجود ما نتصور انه اسباب مباشرة للإكتتاب ، حيث ان المرض قد ظهر اثناء او عقب هذه الوقائع مباشرة ، ولذلك فقد يجد ای منا أنه من المنطقي الربط بين المرض وبين موقف اخر بعلاقة سببية ، ولتوضيح ذلك فإن الاكتئاب النفسي بصورته المرضية قد يظهر عقب وفاة أحد الوالدين، أو بعد التعرض للحوادث او العمليات الجراحية ، وقد يصحب تصدع الأسرة وانفصال الزوجين، والحرمان والازمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية، وغيرها من مواقف الحياة، وهنا نتصور أن هذه الأحداث هي السبب في حدوث الاكتئاب، وهذا التصور على الرغم من واقعيته فإنه لا يبدو كافية من وجهة نظر الطب النفسي، فهناك ما هو أعمق من ذلك، حيث أن هذه الخبرات الاليمة التي ذكرنا لابد انها تتفاعل في داخل النفس البشرية ثم تحدث اثرها عن طريق تحريك عوامل كامنة، وانفعالات مكبوتة، والنتيجة في النهاية هي ظهور المرض .
عوامل نفسية :
ومن العوامل النفسية التي نذكرها في هذا الشان عملية الصراع داخل النفس، وهي تحدث نتيجة لتعارض رغبتين لدى الانسان او تعذر اشباع حاجتين في وقت واحد، وفي داخل كل منا صراع بين القيم والدوافع المختلفة، ولدي الانسان دائمأ صراعات تتشا دائما بين طموحاته وتطلعاته من جانب، وبين واقعه وقدراته من الجانب الآخر، ذلك إضافة إلى مجالات أخرى للصراع مثل اشباع الدوافع الجنسية، وقد ركز فرويد على هذه النقطة بالذات، حيث كان يرى أن الحزن والكآبة التي تتشا عن الخسارة لفقد عزيز انما تنتج من تحول في الطاقة الجنسية إلى طاقة عدوان ويأس وتحطيم للذات.
ومن العوامل النفسية الهامة ما يحدث في فترة الطفولة المبكرة من خبرات أليمة، حيث تولد هذه الصدمات قدرا من الحساسية النفسية تمهد لظهور الاضطراب النفسي فيما بعد، وكذلك الاحباط الذي يعاني منه ای انسان نتيجة لإدراكه وجود عائق ما يحول دون تحقيقه لرغباته ومصالحه ، وتكون الاستجابة لهذا الأحباط هي الشعور بخيبة الأمل ، والمحصلة النهائية في الغالب تكون حالة المرض، وفي هذا المجال لابد أن نذكر ان الانسان لديه وسائل وحيل للدفاع النفسي ضد المؤثرات التي تسبب الصراع النفسي، والاحتفاظ بالثقة بالنفس، وتحقيق التوافق والصحة النفسية، وعليه فإن ، حالة المرض ليست سوى اختاق لهذه الأسلحة الدفاعية، فينهار التوازن النفسي، ويظهر الاضطراب نتيجة لهذا الخلل .
خلاصة القول انه مهما تعددت الأسباب فإن الاكتئاب النفسي هو في النهاية نتيجة لفقدان الانسان لقدرته على التوافق داخليا مع الحياة من حوله بما فيها مؤثرات والحداث، بعضها يجلب السرور، والبعض الآخر وهذا ليس بالقليل- يدعو الى الحزن والكآبة، مثل الخسارة، والفراق والاحباط، ومتطلبات الحياة المتلاحقة وبدلا من التفاعل مع هذه الأمور بصفة مؤقتة، والانصراف الى الحياة، يستمر فرط تأثر الانسان واهتمامه، وبتغير مزاجه، ويعيش حالة الاكتئاب .