شهدت العصور الوسطى في اوربا تخلف حضاريا انعكس على النظرة الى المرضى النفسيين، وطرق التعامل معهم واساليب علاجهم، وكان هؤلاء المرضى في اوربا يتعرضون للقسوة الشديدة في التعامل معهم عن طريق الحرق والغرق والضرب بقسوة، والعزل في أماكن غير ملائمة ظنا بانهم تتلبسهم ارواح شريرة، وفي نفس هذا الوقت خلال القرون الوسطى وبالتحديد في القرن الرابع عشر الميلادي تم انشاء أول مستشفى بيمارستان حمل اسم قلاوون" في القاهرة وتم تخصيص مكان في هذا المستشفى لعلاج المرضى العقليين بطريقة آمنة للمرة الأولي، وبعد أن ظل التفكير في ان المرض النفسي هو نتيجة للسحر ومس الجن والأرواح الشريرة سائدا لوقت طويل من الزمان بدا التفكير العلمي في علاج هذه الأمراض بصورة تشبه علاج الأمراض العضوية الأخرى .
وبعد مرور مئات السنين حدث تطور في اوربا وامريكا شمل وسائل العلاج بصفة عامة، وعلاج الأمراض النفسية على وجه الخصوص، حيث ظهرت فكرة المصحات العقلية والمستشفيات المفتوحة كبديل للاماكن المغلقة التي تشبه السجون، والتي كان يوضع بها المرضى النفسيين، ثم ظهرت فكرة المستشفيات النهارية التي يمضى المريض بها وقته اثناء النهار حيث يتناول الطعام والعلاج ثم يعود الى منزله ليلا، كذلك بدأت فكرة المستعمرات المتسعة التي يعيش بها المرضى وسط الاسوياء، والحاق بعض المرضى ليعيشوا مع بعض الأسر التي تقبل القيام برعايتهم وتقدم لهم المعونة للتخلص من حالتهم المرضية .
وبداية من القرن الماضي اثمر التفكير العلمي في الأمراض النفسية بصفة عامة عن ظهور النظريات الحديثة التي تحاول تفسير اسباب الأمراض النفسية ووصف علاماتها، وتم للمرة الأولى تصنيف الأمراض النفسية باسلوب علمی يخضع للمراجعة المستمرة، وكان العالم ' کریلن اول من فصل بين حالات الاكتئاب والهوس ووصف مرض الفصام، ثم جاء عالم النفس الشهير " فرويد" (1936 – 1856) بنظرياته التي أحدثت ثورة كبيرة في مفاهيم الأمراض النفسية، ثم تعرضت هذه النظرية الى بعض النقد والتعديل فيما بعد، وتقوم نظرية "فرويد" بالنسبة لمرض الاكتئاب على انه نتيجة مباشرة لفقد شئ هام بالنسبة للفرد، ونتيجة للضغوط والعوامل المحيطة به، ولقد ادخل فرويد للمرة الأولى بعض المفاهيم مثل تكوين الشخصية من "الأنا" الذي يمثل الواقع، و "الهو" الذي يمثل الغرائز ، و" الأنا الأعلى " الذي يمثل الضمير، وتحدث عن مفهوم الصراع بين هذه المكونات في حالة الصحة والمرض، كما ظهرت نظريات اخرى فيما بعد تفسر حدوث الأمراض النفسية بانها نتيجة لتغيرات كيميائية .
الاكتئاب .. الوضع الراهن
لعل أهم التغيرات التي حدثت في النصف الثاني من القرن العشرين هى ثورة الكيمياء والعقاقير التي نتج عنها تغير الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة من قبل، ورغم أن مدة هذه الثورة لا تزيد عن نصف قرن الا انها اسفرت عن الكثير من الاكتشافات في مجال الأدوية التي تساعد على علاج الكثير من الحالات بصورة لم تحدث من قبل، وقد تم اكتشاف معطم الأدوية النفسية وفي مقدمتها دواء " كلوربرومازین " بالصدفة حين تبين أن له تأثير مهدي على الجهاز العصبي، ثم توالت فيما بعد الاكتشافات الطبية، وتصنيع الأدوية الحديثة الي تعيد الاتزان النفسي لمرضى الاكتئاب .
ومن خلال الأبحاث التي تم اجرائها في هذه الفترة فقد تبين حدوث تغيرات كيميائية في الجهاز العصبي سوف نشير إلى البعض منها في مواضع تالية ترتبط بحالة الاكتئاب النفسي، حيث ثبت أن نقص هذه المواد ومنها " السيروتين " و "نورابنفراین" يؤدي الى تغير في الحالة المزاجية وظهور اعراض الاكتئاب، ومن هنا كان التركيز في أبحاث الأدوية الحديثة على اعادة الاتزان الكيميائي الذي يؤدي الى تحسن واضح في حالة مرضى الاكتتاب، وظهرت اجيال جديدة من هذه الأدوية يتم استخدامها الان على نطاق واسع، ويتم تحسينها بصورة منتظمة للحصول على افضل النتائج دون اعراض جانبية مزعجة .
وإذا كان هذا التقدم العلمي قد اسفر عن بعض الأمل في التغلب على مشكلة الاكتتاب فإننا رغم ذلك نقول أن الطريق لا زال طويلا للوصول إلى ح ل حاسم لهذه المشكلة، ولا تزال مسيرة العلم مستمرة دون توقف لتحقيق تقدم في المعركة مع الاضطرابات النفسية التي تصيب الإنسان وتؤثر على حياته، وهذه المعركة كما رأينا قديمة قدم الإنسانية و لاتزال مستمرة حتى يومنا هذا.