من الضروري بالنسبة لك أن تدرك أنك ستكون سعيداً وفي سلام مع نفسك فقط بالقدر الذي تقبل به حقيقة أنك تبذل قصارى جهدك في اللحظة الراهنة. وبمجرد أن تفعل، لن تصبح بعدها حساساً تجاه آراء ووجهات نظر الآخري المناوئة. وبالعكس، إذا كنت لا تحب ما يفعله الآخرون لأنه في نظرك-ليس "صواباً" أو "إنصافاً"، فليس من حقك إدانتهم أو لومهم أو جعلهم يشعرون بالذنب. والحقيقة هي أنه لا أحد سواء أنت أو الشخص الآخر يستطيع أن يتصرف بشكل أفضل " من أفضل ما لديه" في أي لحظة معينة.
يجب عليك أن تتعلم قبول واقع اللحظة وتدرك أنه ما من تصرف آخر ممكن في تلك اللحظة.
الواقع واحد بالنسبة للجميع. والفارق بين واقعك وواقع شخص آخر هو إدراكك لهذا الواقع، وما من شخصين لديهما نفس الوعي بالضبط وما من شخصين لديهما نفس الخلفية والتجارب والخبرات، ولذا فإن طريقتهما في النظر للحياة، وقيمهما، وأفكارهما، ومعتقداتهما، وافتراضاتهما، وطموحاتهما ستكون دائماً مختلفة. والواقع الشخصي لكل واحد منا يتكون من السمات العقلية، والعاطفية، والجسدية التي لا نستطيع تغييرها في تلك اللحظة المحددة، ومن ثم فإن واقعك الشخصي إذن هو مجموع مستوى وعيك الحالي: القيم، والمعتقدات، والأفكار، والمفاهيم التي تعتنقها الآن، صحيحة كانت أم خاطئة. وحيث إن الإدراك دائماً ما يصطبغ ويتأثر بالوعي، فإذا كان وعيك خاطئاً، فسيكون إدراكك كذلك أيضاً حتى وإن كنت متأكداً من أنك على صواب.
كل قرار تتخذه وكل فعل تقدم عليه يعتمد على مستوى وعيك الحالي.
لاحظ أن كل مشكلاتك العاطفية ومعظم مشكلاتك الجسدية تقريباً هي نتيجة لمقاومة أو رفض واقعك الشخصي أو واقع شخص آخر، أو واقع موقف لا تستطيع في هذه اللحظة -تغييره ولكنك ترغب في ذلك بشدة. ورفضك أو عدم قدرتك على قبول الأشياء كما هي هو أساس المشكلة. ولو أنك فحصت معظم إحباطاتك وإخفاقاتك، فسترى بوضوح أنك تقاوم شيئاً لا يمكن تغييره بشكل فوري.
إننا نقاوم الواقع، أو "الكائن فعلياً"، لأننا نعمل انطلاقاً من الافتراض الخاطئ والمدمر الذي يقول إننا نستطيع تغييره. ولكن الأمور تكون على ما هي عليه في اللحظة الحالية سواء شئناً أو أبينا قبول هذه الحقيقة. وفقط عندما ندرك بوعي مرحلة معينة من الواقع كما هي عليه في اللحظة الحالية، نتغلب على مقاومتنا ورفضنا لها.
إن أساس التغيير هو قبول سلوكيات الآخرين دون الشعور بالحاجة إلى "تقويمها". ينبغي أن تسمح لهم بالحرية الشخصية في العيش وفقاً لوعيهم الشخصي الخاص، برغم ما قد يكون عليه من تحريف وتشوه وخطأ. ولكي تفعل هذا، عليك أولاً أن تتعلم حب وقبول نفسك. فإذا كنت لا تزال تصدر الأحكام على نفسك وتدينها، فستكون مكرهاً على إصدار الأحكام على الآخرين وإدانتهم، وبذلك ترفض واقعهم ومستوى وعيهم الحالي.
يمكنك أن تكون رحيماً ومتفهماً للآخرين فقط بالقدر الذي تكون به رحيماً ومتفهماً لنفسك.
وإذا لم تكن واعياً إلى أنك تقاوم أو ترفض الواقع، فما لك من سبيل إلى التخلص من تلك العادة المدمرة. ستشعر دائماً بالحاجة إلى إصدار الأحكام على الأشياء كأن تقول "جيد" أو "سيئ"، "صواب" أو "خطأ"، "عدل" أو "ظلم". سوف تعتقد أن الناس والظروف تتآمر ضدك لأنك ترفض مواجهة ما هو كائن كواقع. وهكذا تعيش في عالم من التفكير الرغبى القائم على الرغبة والتمني وليس على الواقع، حيث تعتقد أن الأشياء "يجب أن" تكون بشكل معين، ولكنها ليست كذلك حقاً.
إحدى حقائق الحياة الواضحة الثابتة هي أن ما يحدث لك ليس بأي حال على قدر أهمية درجة الشدة والقوة التي تقاوم بها واقع موقف أو شخص معين. وبعبارة أخرى، فإنه لا حيلة لك فيما تشعر به تجاه الأشياء، ولكن لك حيلة في الطريقة التي تفكر وتتصرف بها تجاهها. قد لا تحب واقع موقف ما، ولكن من المحتم عليك أن تقبله في اللحظة الحالية. وبقيامك بهذا، ستكون لك السيطرة على تصرفاتك وأفعالك وردود أفعالك.
لا يحتاج المرء إلى أن يكون عبقرياً ليدرك أن مقاومة الواقع هي السبب الأول قبل أي شيء آخر في الحزن، والغم، والقلق، والخوف، والغضب، والعدوانية، والمشكلات الأسرية. فليس من الممكن بحال أن تشعر بالأذى العاطفي، أو ينتابك الغضب، أو تشعر بالاستياء والسخط والمرارة تجاه شخص آخر، وليس من الممكن بحال أن تشعر أنك "أقل من الآخرين أو تتعرض للإهانة أو الجرح من جانبهم، ما لم تكن تقاوم الواقع.