هناك ثلاثة أسباب رئيسية تؤدي لانخفاض تقدير الذات. السبب الأول هو مجموعة من الأفكار، والمعتقدات، والقيم المحبطة للذات والتي تلقيتها وقبلتها من والديك. والسبب الثاني هو مجموعة فريدة من الإهانات والإحباطات التي تلقيتها خلال سنوات الدراسة بالمدرسة من أفكار ومفاهيم خاطئة ومشوهة للأساتذة والمعلمين وأشياء مثل تحليل الوضع المهني واختبارات مستوى الذكاء.

وينبع السبب الثالث من التأهيل الديني السلبي الذي يفرط في التشديد على مشاعر الذنب وعدم القيمة والأهمية. وعلى الرغم من أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تسهم في صنع تقدير متدني للذات، فإن تلك الثلاثة هي الأكثر أهمية. وهذا الفصل يتناول السبب الأول منها.

العامل المنفرد الأكثر قوة بكثير من أي شيء آخر والذي يسهم في تدني تقديرنا لذاتنا هو تدني تقدير الذات لدى آبائنا. هذا صحيح بشكل خاص فيما يتعلق بالأمهات، والأم هي الشخص الذي نقضي معه عادة معظم السنوات التي تتشكل فيها ونكون شديدي التأثر والحساسية، وحيث إن معظم الكبار الناضجين يعملون في ظل أفكار، ومفاهيم، ومعتقدات، وقيم خاطئة، فإن تلك الأفكار والمعتقدات والقيم تنتقل إلى الأطفال من خلال المواقف الذهنية، والتصرفات، والأفعال، وردود الأفعال كمرض معدٍ. فإذا كان آباؤنا يشعرون بعدم الكفاءة والدونية، فإننا، كأطفال، سنشعر بعدم القيمة وعدم الأهمية، ونتيجة لذلك، سنصبح غير قادرين على التكيف حتى مع أكثر المشاكل بساطة في المنزل أو المدرسة، وفي الأساس، تصبح "الافتراضات "الخاطئة" لآبائنا هي "حقائق" وجودنا. والشرح التالي سيساعدك على أن تفهم سبب حدوث ذلك.

منذ وقت ميلادك، وحتى سن خمس سنوات تقريباً، كان مخك يتطور بسرعة كبيرة. ويشير علماء النفس إلى هذه الفترة من النمو السريع باسم فترة الدمغ والانطباع ". وخلال هذا الوقت، كان مخك يتلقى انطباعات مهمة وحاسمة ودائمة ساهمت في تشكيل أنماط سلوكياتك.

تستطيع الآن أن تری بسهولة أنه إذا كان أحد الأبوين أو كلاهما يعاني من تدني تقدير الذات خلال هذا الوقت، فإنه سيكون من السهولة بمكان أن يتشبع عقل الطفل، الذي يكون شديد التأثر والحساسية، بهذا التقدير المتدني للذات.

ولقد بدأ تقدير الذات المتدني عندما ارتكبت الخطأ الأول وقيل لك إنك "فتی سيئ" أو "فتاة سيئة". وقد أسأت تفسير هذا وشعرت أنك كنت "سيئا" في حين أن أفعالك وتصرفاتك، في واقع الأمر، هي التي كانت "سيئة". حقيقة الأمر هو أنه لا يوجد شيء اسمه "طفل سئ". والشيء الوحيد "السيئ" في أي طفل هو نقص الوعي فيما يتعلق بما يحقق نتائج إيجابية.

     ومن الواضح أن هناك أشياء معينة لا ينبغي على الطفل القيام بها، وهي أشياء من الضروري أن يكون لها فعل تأديبي معقول. ولكن تلك الأشياء بذاتها لا تجعل الطفل "سيئاً" أبداً. ومن خلال إخبارك بأنك "فتی سيئ" أو "فتاة سيئة"، قمت بتوحيد نفسك مع أفعالك بدلاً من أن تدرك أن أفعالك وتصرفاتك ليست أكثر من مجرد وسيلة تختارها لإشباع احتياجاتك السائدة. وإذا لم يتم جعل الطفل يفهم ويدرك هذا وتم ترکه يعتقد أنه سيئ في الأساس، فإنه سيشعر بالدونية وعدم القيمة وعدم                 الأهمية، وهو ما سيتم برمجته داخل عقله اللاواعي. تلك المشاعر سوف تظهر لاحقاً في صورة خذي، وإدانة للذات، وحزن، وندم، والأسوأ من كل شيء، الشعور بالذنب.

وتقدير الذات المتدني أو السلبي ينمو ويتطور أكثر من خلال عادة الاستخفاف وتقليل الشأن عن طريق المقارنة المنتشرة بشدة. فعندما يقارن الآباء أحد الأطفال بأخ، أو أخت، أو، بصفة خاصة، شخص من خارج الأسرة، فإن شعور الطفل بالدونية وعدم القيمة يزيد ويتضاعف. وفي ضوء النقائص والعيوب التي أصبح يتقبلها كجزء من گیانه، يقارن الطفل نفسه بأطفال من نفس عمره يشعر بالإعجاب نحوهم. ولأنه يعتقد أنهم وهبوا القوة، والقدرة، والشهرة، والثقة بالنفس بقدر أكبر منه، فإن الشعور بالدونية يغمره ويستبد به. ولو أن الآباء كانوا يخففون نقدهم له بعبارات مشجعة من قبيل: "إنك فتی (فتاة) أفضل كثيراً من أن تترك شيئاً كهذا يحدث"، لكان من الممكن جداً أن يتم منع مثل هذا النوع من البرمجة السلبية.

 وانعدام التقدير لتفرد وتميز الطفل هو خطأ أبوي آخر. فمعظم الآباء لا يمنحون اهتماماً كبيراً لمشاعر، ورغبات، وآراء أطفالهم، ويصدونهم بأقوال شائعة مثل: "الطفل             يُري ولا يُسمع! "، و "والدتك /والدك يعرف أكثر منك!". إنهم كثيراً ما يتعاملون مع الخلاف إما على أنه إهانة شخصية وإما على أنه سوء أدب وعدم احترام صريح.

 ويتفق علماء نفس الطفل الرواد على أن هذا التوجه يعود إلى تدني تقدير الذات لدى الوالد والذي يظهر في شكل حاجة إلى أن يكون دائماً على صواب. وهناك حقيقة مزعجة هي أن عدداً كبيراً من الآباء يعيشون الحياة نيابة عن أطفالهم ومن خلالهم. لقد قرروا أن طفلهم ينبغي أن يكون كل شيء كانوا يتوقون سراً لأن يكونوه ولم يستطيعوا، ومن ثم يدفعون الطفل إلى ما وراء قدراته وإمكانياته. إنهم يرغبون في أن تصبح أحلام الإنجاز الشخصية التي لم تتحقق حقيقة واقعة من خلال أطفالهم. وبالطبع، يتم هذا على حساب الطفل. وما يعجز مثل هؤلاء الآباء عن إدراكه هو أن طفلهم غير قادر على الوفاء بمعاييرهم العالية غير الواقعية أو المعقولة ببساطة لأنه لم ينم أو حتى قد لا يمتلك -القدرة العاطفية، والعقلية، والجسدية اللازمة لإنجاز هذا.

   والمظهر الجسدي هو أيضاً سبب رئيسي بأكثر مما نتصور-وراء تدني تقدير الذات، هناك عدد من الأطفال الذين يعانون إعاقات بدنية، وذهنية، وعاطفية بسبب المظهر الجسدي غير الطبيعي أو غير المعتاد. فعن طريق لفت انتباههم باستمرار إلى هذا وإخبارهم بأنهم "أكثر بدانة مما ينبغي"، أو "أكثر طولاً من الطبيعي"، أو "أكثر بطئاً من المألوف"... إلخ، ينمو لدى الأطفال شعور عميق بالدونية من الصعب التغلب عليه.

وبعض الآباء يمنحون قيمة كبيرة للمال والممتلكات. ويتكيف الطفل مع هذا ويتوحد معه ويصبح سجيناً لأسلوب حياة مادي يفرض عليه النضال والكفاح من أجل تحقيق النجاح المادي. وفي مرحلة لاحقة من حياته، كثيراً ما يتزوج الطفل من أجل المال ويدفع ثمناً باهظاً مقابل ما يحصل عليه.

فإذا تم منح قيمة كبيرة للمال والممتلكات المادية، فليس من الغريب أن ينمو الطفل ويكبر وقد اعتاد على إنفاق مال لا يملكه، على أشياء لا يحتاج إليها، من أجل إثارة اهتمام وإعجاب أناس لا يعرفهم. وبينما تدمر المادية حس الطفل بقيمته وأهميته الشخصية، فإنه يستسلم لحياة من السعي وراء الثروة لتعويض وتحييد مشاعر الدونية.

    الفصل السابق يوضح كيف أن معظم الآباء يضل سعيهم تماماً عندما يتعلق الأمر ببناء وتطوير الاعتماد                           على الذات لدى أطفالهم. فالآباء المفرطون في السيطرة، أو المفرطون في التساهل، أو المفرطون في التملك عادة ما يكونون هم الذين يحولون أبناءهم إلى أشخاص معاقين وعاجزين عاطفياً. فالطفل، الذي تم حرمانه من الدافع الضروري لمواجهة مواقف الحياة بثقة بالنفس وهدوء ورباطة جأش، يقوم بتسويف المواجهات والقرارات ويتخذ السبيل الأسهل والأقل مقاومة. والافتقار إلى الاعتماد على الذات يدعم مشاعر عدم الأهلية وعدم الكفاءة، وهي المشاعر التي تشكل بدورها أساس التقدير المتدني للذات.

على عكس الاعتقاد الشائع، فإن تربية الطفل باستخدام نظام قائم على الثواب والعقاب هو أمر يضمن تأبيد تقدير الذات المتدني. ينبغي السماح للطفل بارتكاب أي عدد ضروري من الأخطاء لتعلم الدروس، وبدون خوف من العقاب. وبمجرد أن يتعلم الطفل الدروس، فمن المرجح بشدة أنه لن يضطر مرة أخرى أبدأ إلى تكرار أخطائه. سوف يعلم أنه، في أي شيء يفعله، إما يربح مكافآت النجاح وإما يعاني عواقب الأخطاء. وكلما أدرك هذا مبكراً، كان ذلك أفضل!  إن أكثر جوانب تقدير الذات المتدني تدميراً هو أننا نورث هذا التقدير المتدني من جيل إلى جيل. لقد                         أوضحت الأبحاث بشكل مأساوي أن حالات الانتحار تسير متوازية مع السلاسل الأسرية. وبعد ما قرأته لتوك، ليس من المتوقع أن يدهشك هذا. فمن السهل أن نرى أنه في بعض الحالات، إذا تم توريث التقدير المتدني للذات، يكون المظهر الناتج متطرفاً إلى أبعد حد.

وبالإضافة إلى تشويه أطفالنا بواسطة تقديرنا المتدني لأنفسنا، فإننا نشوه أيضا كل شخص نتعامل معه أو ترتبط به. وإذا كنا في موقع يتيح لنا التأثير في الآخرين، كأن نكون معلمين أو أساتذة أو خطباء مثلاً، فإننا ننشر المرض أيضاً بين أولئك الذين ينتظرون منا القيادة والإلهام والتشجيع. فهم يشعرون بحدسهم بانعدام قيمة الذات وضعف تقدير الذات لدينا ودائماً ما يبدؤون في الحصول على حصص ومقادير مما يربطونه بنا. لقد قدمت المشورة لمئات الأفراد الذين كانوا يفتقرون إلى الثقة بالنفس اللازمة لمواجهة مواقف الحياة بنجاح. وقد كان كل واحد من هؤلاء نتاج تقدير الذات المتدني الذي انتقل إليه من المنزل، أو المدرسة، أو التأهيل الديني السلبي.

    تقدير الذات المتدني له مظاهر أو حالات إدمانيه عديدة. ويمكن وصف هذه المظاهر أو الحالات الإدمانية بأنها الوسائل والعادات التي ننميها للهروب من مطالب الحياة اليومية. إنها ببساطة أعذار تسمح لنا بتجنب مواجهة الواقع الشخصي مؤقتاً. وشدة حالة الإدمان التي نختارها تتناسب بشكل مباشر مع شدة شعورنا بعدم الأهلية وعدم الكفاءة والخوف من الاضطرار إلى تبرير وإثبات من نحن وما حقيقة ذاتنا. والشخص المدمن يستخدم العذر الخاص به لحجب وتغطية تقدير الذات المتدني الذي لا يرغب في أن يراه الآخرون.