البحث الأبدي عن الحقيقة
من أنا؟ لماذا أنا هنا؟ إلى أين امضي؟ هل لي تأثير على هذه العملية؟ تلك بعض من الأسئلة التي تستأثر دائماً أبداً بالعقل الفضولي للإنسان. يسعى الإنسان لمعرفة ذاته، وعبر ذاته يتعرف على خالقه، ومن الواضح أن الإنسان لم يعثر على إجابة بملاحقته لعناصر، وقوى الطبيعة، أو بناء الإمبراطوريات العظمى، أو تكديس الثروات الهائلة. فما العالم المادي الذي نحيا فيه إلا شيء عابر وزائل، وفي حالة تغير وتطور أبدية، وما هو إلا نتيجة وليس سبباً؛ خداع وضلال وليس حقا وحقيقة.
ولعلك تتعجب من الوتيرة المتباطئة للتطور الإنساني. لماذا ما زلنا جاهلين بالعديد من الأمور؟ لماذا لا نستطيع التعاون مع بعضنا البعض؟ لماذا يسود الحسد وانعدام الثقة، والبغضاء في العلاقات ما بين الأشخاص، والجماعات، والدول؟ يضع "ريتشارد كارنجتون" هذا كله في منظور خاص ذي تفسير مثير للانتباه:
لنتخيل ذلك، عن طريق نوع من السحر، أمكن ضغط تاريخ الأرض بكامله في عام واحد. بهذا المقياس، فغن الشهور الثمانية الأولى ستكون بلا أيه حياة كلية. والشهران التاليان سيخصصان لأكثر الكائنات بدائية، ولن تظهر الثدييات قبل الأسبوع الثاني من ديسمبر، أما الإنسان بصورته المعروفة لنا فسوف يتبختر على منصة العرض عند الساعة الحادية عشرة وخمس وأربعين دقيقة تقريباً من مساء 31 ديسمبر. وسف يشغل التاريخ المكتوب ما يزيد بقليل جداً عن الستين الأخيرة قبل انتصاف الليل!
نرى من خلال هذا أن الإنسان قد شرع يفكر من برهة قصيرة! وأننا بحاجة إلى الكثير جدا من الوقت، إذا أردنا أن نرتقي عن الغرائز البدائية لأسلافنا، أي إذا أردنا القيام بمهمتنا على النحو الصحيح. علينا أن نتجاوز الانشغال بتأمين أنفسنا، واحتياجات الأمان إلى تحقيق الذات كأفراد؟ وكجنس بشري؟ لقد أدلى "باكمينستر فوللر" ذات مرة بالتعقيب التالي: " لن يكون بمقدورنا تشغيل سفينتنا الفضائية المتمثلة في كوكب الأرض بنجاح لمزيد من الوقت إلا إذا نظرنا إليها بوصفها وحدة كلية، وأن مصيرنا مشترك. أي لابد أن يكون الجميع على قلب رجل واحد وإلا سيفنى الجميع"
تتدفق خلال كياني
تيارات الوجود
الكونية؛
إنني جزء لا انفصام
له من الكون.
"رالف والدو إيمرسون"
شاعر، وفيلسوف،
كاتب مقال أمريكي
(1803-1882)
لقد توصلنا مسبقا أن الفكر هو العلة الأولى. إننا نفكر، ونؤمن، ونتخيل، ونتحول. نفعل. هكذا يتحول الفكر إلى وقائع وأشياء. لا شيء يتم على يد الإنسان وحده. كل شيء يجري وفقاً للمشيئة الإلهية كاستجابة للفكر والقناعة، فما نفكر فيه يرتد إلينا في شكل مادي، الخير يجلب الخير، والشر يجلب الشر. وكما أشار "لاوتسو" الحكيم الصيني: "ذلك الأمران، الروحي والمادي، على الرغم من أننا نعطيهما اسمين مختلفين، ففي أصلهما هما شيء واحد وحيد".
على هذا المنوال، فإننا نعمل من خلال ذكاء راق يرشد الكون، ويهيمن عليه. غننا نحيا في رحاب هذا الذكاء، بل نحن جزء منه، ونملك سبيلاً للوصول إليه كله. إننا من الضآلة بحيث نتوافق مع وجودنا الأرضي الدنيوي ومن عظمة الشأن بحيث نتوافق مع رغباتنا الروحية. هذا الذكاء متاح لنا لكي نستخدمه حسب اختيارنا. أنها منحة إلهية مكفولة للجميع فطرياً. وعبره نستطيع أن نلمح الأبعاد التي لا تحد لوجودنا الروحي الحقيقي، وأن نرى أن كل شيء ممكن، وبواسطة التوافق مع الكون، يمكننا تدريجيا أن نحرر أنفسنا من حدود الأنا الشخصية الضيقة، وإتاحة المجال لتطور ذات أعظم شأناً، وأن تنتعش هذه الذات وتنمو، ولا يحدث هذا إلا باتحاد مع تلك الروح؛ وبحيث يمكن لنا أن نأمل بأن تتجلى قناعاتنا القلبية، حتى نكتشف من نكون حقاً.
قالت "ماري بيكر إدي": "أن نعيش هو أن نحافظ على الوعي الإنساني في علاقة ثابتة بالجانب الرباني، الروحي والأبدي، أي أن نفوز بنصيبنا الشخصي من الطاقة اللانهائية"
لقد تعلمنا من ذلك كله أنه من خلال اليقظة الروحية التي نعايشها ندرك أعظم الحقائق على الإطلاق: إذا كان الله نفح في آدم من روحه، وإذا كنا جميعاً أبناء آدم......
كلمة واحدة فقط
يمكنها أن تخلصنا من
جميع أثقال وآلام الحياة:
تلك الكلمة هي الحب.
"سوفوكليس"
كاتب تراجيديا يوناني
(496-406 ق.م)