الفصل 6
عقدة نطاق الراحة
" تمر بي أيام أشعر وكأنني أريد أن أتقوقع
على نفسی -وأدخل إلى أي قوقعة محكمة الغلق! " .
" وودی آلن "
العثور على مكان للاختباء
دعنا نستكشف ما أطلقت عليه عقدة نطاق الشعور بالأمان والراحة.
إننا جميعا نعيش في منطقة تسمى بنطاق راحتنا، ويمكن تحديد إجمالي مقاييس هذا النطاق عن طريق صورتنا الذاتية، ومستوى تقديرنا لذاتنا. إن نطاق الراحة الخاصة بنا هو ملاذنا الآمن -إنه نطاق أمننا. إنه السر الذي يكمن وراء مواصلتنا القيام بالأمور نفسها، وبالطريقة نفسها مرارا وتكرارا. يأمرنا نطاق الراحة الخاص بنا بأن نتجنب كل المخاطر التي تتجاوز قدرة صورة ذاتنا الحالية على التعامل معها. فماذا نفعل إذن؟ إننا ننكص على أعقابنا، ونقوم بما هو آمن وغير مهدد، ونندمج فيما نعرف بصفته سلوكا اعتياديا. ويتجسد هذا السلوك في عاداتنا اليومية. كيف نعقد أذرعنا، ونقاطع أرجلنا، والطعام الذي نأكله، ومن نحظى بهم من أصدقاء، والكتب التي نقرأها، والتحديات التي نتقبلها -أي كل ما نقوم به في حياتنا.
أخضع نفسك للاختبار. اعقد ذراعيك. بعض الناس يقومون بهذا بطريقة ما، والبعض الآخر لهم طريقة أخرى. فأياً كانت طريقتك، فلقد اعتدت القيام بذلك على النحو الأكثر راحة لك. لا بأس، والآن حل ذراعيك واعقدهما بطريقة أخرى. هل تجد هذه الطريقة غير مريحة بشكل ملحوظ؟ جرب الأمر نفسه مع وضع رجليك على بعضهما البعض بالطريقة المعتادة، ثم بالطريقة الأخرى. نفس الإحساس؟
يمثل نطاق الراحة كل الأمور التي قمنا بها كثيرا بما يكفي لنشعر بالارتياح عند القيام بها مجددا. فمتى نجرب شيئا جديدا، فإنه يقع خارج حدود نطاق راحتنا، وفي هذه الناحية نشعر بالخوف، والتوتر، ونتوجس خيفة. وهي أعراض الشعور " بالضآلة ". هذه كل المشاعر الكريهة التي تربط بينها عموما وبين أن نكون" غیر.
الشجاعة هي أن يقدم المرء
على ما يخشاه.
فما من شجاعة
بلا خوف.
مادی ریكينباكر"
طيار أمريكي
(1890-1973)
مرتاحين ". عندما نواجه شعور عدم الراحة عند القيام بأي شيء، فإننا غالبا ما نذعن للخوف، ونتخلى عن فكرة القيام بما انتوينا عليه. إننا نرجع ببساطة إلى الأفكار، والمشاعر، والأعمال ذات القابلية الأعلى والأكثر ... حسنة ... الأكثر راحة فلا نجذب الجديد!
ينبع مفهوم " إننا لا ينبغي لنا أن نجرب أمورا جديدة " من القائمين على حمايتنا في الطفولة -آبائنا وأمهاتنا، ومعلمينا، والكبار، وسائر أصحاب النوايا الحسنة من جميع الفئات، فكثيرا ما استخدموا الخوف كوسيلة للتأكد من سلامتنا البدنية: " لا تلمس هذا الموقد الساخن؛ لا تلعب بالشارع؛ لا تتحدث إلى الغرباء "، وقد نجحت تحذيراتهم في معظم الحالات في تأمين سلامتنا، وأماننا إلى الوقت الحاضر. وهكذا فإن هذه الطريقة، أي طريقة بث الخوف من تجربة الأمور الجديدة كانت تخدم غرضا محددا. ومع ذلك فإن المشكلة تظهر في حياة المرء لاحقا على الدوام حين نظل نمیل لطرقنا القديمة، على الرغم من حقيقة أننا قد صرنا بالغين وصرنا مهيئين بدرجة كبيرة لأن نعرف الفرق ما بين ما هو خطر وغير خطر.
إذا أردنا أن نتغير، وأن نجرب أمورا جديدة، علينا أن نتقبل أن نكون غير مرتاحين، وأحيانا غير مرتاحين بالمرة، ولو لبعض الوقت، وعندئذ. تقع المفاجأة! - فبعد جهد متكرر، يصير عدم الارتياح ارتياحا، وفي هذه العملية، نوسع من إطار راحتنا. وستختبر هذا بنفسك عن طريق عقد ذراعيك، أو وضع رجليك على بعضهما البعض بطريقة تشعر معها بعدم الراحة لدرجة كبيرة، ولكن يجب أن تجرب ذلك على مدار فترة محددة من الوقت، تكون عادة ۲۱ يوما على الأقل حتى يتحول شعورك بعدم الراحة إلى شعور بالراحة.
بشعر أغلبنا بالارتياح مع توقع نجاح له شأنه حينما تكون احتمالية الفشل في حدودها الدنيا. فمثلا، شراء تذكرة يانصيب بسعر دولار واحد تكون جائزتها بمليون دولار هو أحد الأحداث اليومية. وفي الحين نفسه، يشعر أغلبنا بعدم الارتياح مع توقع الإخفاق الضخم. لن يشترى أحد تذكرة اليانصيب إذا ما كان الخاسرون كلهم سيتم صفهم وإعدامهم رميا بالرصاص في الصباح التالي نفسه قد يكون شراء أوراق اليانصيب ليس هو النموذج الأمثل؛ فلهم الدوافع الإنسانية الأساسية التي تكمن وراء خيارات الحياة الحقيقية التي يتخذها الناس، وبالرغم من ذلك كله، فمع الاعتبار لعملية الإنجاز حيث يتوازن توقع الإخفاق الكبير مع توقع النجاح الكبير، نجد أن قاعدة عامة تنطبق: أننا نستطيع أن نأمل في أن ننجح نجاحا كبيرا فقط إذا كنا مرتاحين كذلك مع توقع إخفاق بدرجة كبيرة.
إن الأشكال البيانية التالية للأداء محاولة لنعرض بالتصوير ما قمنا بمناقشته.
يولد كل إنسان على هذه الأرض
وبداخله مأساة،
وهي لا علاقة لها بالفردوس المفقود.
إن مأساته أن عليه أن ينضج،
ويفتقر أشخاص عديدون
الشجاعة النضج.
هيلين هايز"
ممثلة أمريكية
(۱۹۹۳.۱۹۰۰)
الشكل ۲. أ إن الصور الذاتية المتدنية تنتج تقديراً متدنية للذات مما يسفر عن منجز متدن.
وفي هذه الحالة، تكون صورتنا الذاتية ضعيفة ومتقلصة، وبالتالي تعمل على تضييق مساحة نطاق راحتنا. حيث يتوازن كل من المتعة والألم وفقا لذلك. نكون أكثر میلا للشك، والخوف، وحماية أنفسنا، وإننا لا نشعر بالراحة إلا إذا كنا داخل نطاقنا الخاص الذي حددناه للشعور بالراحة، نحوم أعلى قليلا، أو أدنى قليلا من نقطة الصفر في مخطط مستوى الأداء، أو ما يسمى " بمنطق العدم " على الترمومتر، وعندما تستمر صورتنا الذاتية في التناقص، فإنها تضغط على الحدود العليا والسفلى لنطاق راحتنا لتصير أقرب إلى درجة الصفر؛ مما يجعل الأمور أسوأ، ونصير ما یسمی بـ " فاقدي الفعالية "، مثل شخص وحيد يتجنب البشر، وكأننا نبحث عن طرق للاختباء من العالم.
الشكل ۲. أ إن الصور الذاتية الإيجابية تنتج تقديرا مرتفعا للذات مما يسفر عن نتائج إنجاز مرتفعة.
وفي هذه الحالة، تكون صورتنا الذاتية قوية وممتدة، وبالتالي تعمل على توسيع مساحة نطاق راحتنا -حيث يتوازن كل من المتعة والألم وفقا لذلك. نكون أكثر ثقة بالذات وتصميما وجسارة -يكون بمقدورنا اختبار مدى حدودنا الخارجية، وعند الأداء الأمثل لنا، نكون ما يسمى بالشخصية منطلقة العنان، وكاملة الفعالية، يكمن الخوف من النجاح على الطرف الأعلى لمخطط الأداء، والخوف من الإخفاق على الطرف الأدنى لا يعني أي شيء لهذا الشخص؛ فمثل هؤلاء الأشخاص يقعون بالضبط كما يسقط البط بنعومة على سطح الماء، لكن المخاوف ذاتها تسلب الطاقة والعزيمة من شخص ذی صورة ذاتية سلبية، فالأمر يبدو وكأن الشخص يصير محاطا بأسمنت متجمد، لا يستطيع حراكا. إننا جميعا، وسواء تحلينا بصورة ذاتية قوية أو ضعيفة، نعاني بدرجة ما من عقدة نطاق الراحة، لأنه ومن زاوية ما فإن صورتنا الذاتية لن تتساوى مطلقا مع ذاتنا الحقيقية.
في مجال التدفئة والتكييف،
النقطة التي لا تشير فيها الترموستات
إلى عدم الحرارة أو البرودة، أي حوالي ۷۲ درجة.
تسمى" نقطة الراحة" وتعرف أيضا
ب " نقطة العدم.
راسل بيتسوب
ينبغي عليك أن تغادر مدينة
راحتك ورفاهيتك،
وأن تمضي إلى غابة الحدس
والبصيرة. فما أروع ما
سوف تكتشفه هناك؛
لأن ما ستكتشفه هو ذاتك.
آلان الدان
ممثل أمريكي
فقط بالنسبة لهؤلاء الذين
يحسنون استغلال أفضل ما تتيحه الحياة،
تسفر الأمور عن أفضل ثمارها.
جون وودن
مدرب كرة سلة سابق في جامعة كاليفورنيا
بلوس أنجلوس