سيكولوجية الصورة الذاتية
هذه الطريقة التي نفكر بها، بالصور، وبالأبعاد الثلاثة، مهمة في فهم ما أسميه بالأعمدة الثلاثة للذات. ألا، وهي:
- المفهوم الذاتي.
- الصورة الذاتية.
- التقدير الذاتي.
نتيجة لاكتشاف المفهوم الذاتي بزغت مدرسة حديثة كلية في الفكر. إن المفهوم الذاتي يجيب عن سؤال: " من أنا فيما أعتقد؟ ويشير إلى الحزمة الكاملة من المعتقدات التي اكتسبناها تلك التي تتعلق بإحساسنا بهويتنا وكياننا.
مما يؤدي بنا إلى ما يعتبره الكثيرون الكشف النفسي الأبرز للقرن العشرين، وهو فهم دور سيكولوجية الصورة الذاتية. إن صورتنا عن أنفسنا هي نظام الاعتقاد الذي نتبناه، ويجيب عن سؤال: كيف أرى نفسي ... على مستوى الجوانب العديدة للحياة؟، أي الأمهات، أي الآباء، أي الطلاب، أي المحبين، أي العاملين أكون أنا؟ ما مدى براعتي في اللغات، في الرياضيات، وفي التصوير الزيتي؟ ما مدى براعتي في الكتابة، والقراءة، والغناء، والرسم، وإصلاح الماكينات، وتذكر الأسماء، وإلقاء النكات؟
من المهم أن نلاحظ أن الأبحاث التعليمية قد توصلت إلى أن الصورة الذاتية للشخص قادرة على التنبؤ بمستوى أدائه بشكل يفوق في دقته مستوى الذكاء IQ، والحقيقة أن صورتنا الذاتية تحدد مستوى أدائنا في كل أوجه حياتنا، وكلنا نعرف أشخاصا موهوبين للغاية في الموسيقى، والرياضيات والفنون من غير القادرين على تنمية مواهبهم نتيجة تدني صورتهم الذاتية، في حين أن آخرين ذوي موهبة أقل خاضوا حياة مهنية ناجحة، لأنهم لم تعوقهم مشاعر تدني الصورة الذاتية.
من جديد يثبت هذا كله القانون العقلي الأولى: الفكر + الإيمان = الشكل. إن عقلنا وجهازنا العصبي يتعاونان في العمل معا بحيث يحققان في الواقع أية صور نتقبلها، ونعرضها على شاشتنا العقلية. إن دور العقل الواعي على الدوام هو إنتاج الصور، ودور العقل الباطن على الدوام هو التأكد من مطابقة جميع أفعالنا، ومشاعرنا، وسلوكياتنا مع تلك الصور، ومع صورتنا الذاتية.
في خيال الإنسان وحسب،
يمكن لكل حقيقة أن تجد
وجودها المؤكد وفعاليتها،
فالخيال، وليس الاختراع،
هو السيد الذي لا ينازع
للفن والحياة على السواء
جوزيف كونراد
رواني إنجليزي
(1857-1924 )
إن العقل الباطن هو على الدوام الخادم المطيع، والعبد المحب لتقديم يد العون العملية الإدراك الواعي. لكن بمجرد أن يتلقى العقل الباطن تعليماته، يصير له التأثير الأقوى في الحياة. فيقبل كل التعليمات بلا سؤال، ويسجلها تفصيلا. ويرجع إليها في الأوقات المناسبة. يصير العقل الباطن ذكاء مستقلا بذاته يعمل بالطريقة المضبوطة التي تمت برمجته عليها ليفكر، ويسارع بتحويل كل ما تمت برمجته لأدائه إلى شكل مادي.
إذا كنا نعتبر ضحايا، فإننا ضحايا لعقلنا الواعي، وليس الباطن. أین عملية الإدراك الواعي هي ما نعتمد عليها لكي نتأمل الواقع تأملا دقيقا. ويمكن أن نعزو كل إخفاق للطبيعة غير الموضوعية للعقل -أي إلى عمليات تفكيرنا الواعي.
وعلى ذلك فإن صورتنا الذاتية هي عامل حاسم بطريقتين مهمتين. فأولا، إننا على الدوام نفكر، ونتصرف بناء على الصور المهيمنة في رءوسنا. يعمل العقل الباطن دائما بناء على ما يقبله عقلنا الواعي باعتباره " حقيقة "، وبناء على ما قررنا بوعي أن نؤمن به، أو لا نؤمن به.
وكما لاحظنا، فإن معظمنا لديهم أكثر من صورة واحدة في رءوسنا تتعلق بأي نشاط معين، فلنقل مثلا التحدث على الملأ. فبعض الصور ستمثلنا ناجحين في هذا النشاط، بينما صور أخرى ستمثلنا مخفقين. وبما أننا نحصل على رسائل متضاربة من عقلنا الباطن، فسوف ينبعث صوت خفيض عند تلك اللحظة قائلا: "نعم، إن هذا أمر ممتع! " وفي اللحظة التالية يقول: " مهلا، إنه أمر مخيف! إن الأفكار التي نسمح لها بالهيمنة على تفكيرنا في أي وقت محدد ستكون لها الغلبة، وإذا لم نقم بتثبيت أفكارنا بوتيرة ثابتة عبر مجموعة محددة من الصورة، وفي إطار محصلة نهائية واحدة، فإن عقلنا ببساطة سيظل متأرجحا للأمام وللخلف، وسنكون واثقين في لحظة، ومفزوعين في اللحظة التالية. إنني على ثقة أنك ستتفق مع أن هذه ليست الوسيلة المثلى لإلقاء خطاب رائع على الملأ!
وثانية، تحدد صورتنا الذاتية ما يعتقده الأشخاص الآخرون بشأننا، وبالتالي طرق استجابتهم لنا، وردود أفعالهم، عادة ما يرى الآخرون فينا ما نراه نحن في أنفسنا بشكل دقيق، فمن خلال أقوالنا وأعمالنا، يقومون بتكوين تقدير ما، لإحساسنا بذاتنا -أي من نظن أنفسنا -ويقبلون رأينا هذا على وجه العموم، دون وجود أساس آخر للمفاهيم للمضاهاة، فهم يفترضون ببساطة أننا في أفضل وضع يسمح لنا بمعرفة أكبر قدر عن أنفسنا، في حين أننا في الحقيقة لا نكون كذلك.
ما دمت اعتقدت أن خير سبيل
التحديد شخصية المرء منا هو اكتشاف
التوجه العقلي والأخلاقي الذي
يحس بنفسه، وفي خضمه، أنه نشط
وحي إلى أقصى الحدود وأشدها،
فإنه في مثل تلك اللحظات يتحدث من داخله
صوت جهوري قائلا:
" هأنذا على حقيقتي ا ".
ويليام جيمس"
فيلسوف، وعالم نفس
أمريكي
(1842-1910)
وفي بعض الأحيان، يرى الآخرون فينا أشياء لا نراها في أنفسنا. وأن تقييمهم يكون مبنيا على برهان بمقدورهم أن يعاينوه، لكننا لا نراه، أو لا نستطيع؛ مما يقودهم للاختلاف مع قرارنا، ومن شأن هذا أن يجعلهم يقررون أننا إما أن نعلي من تقديرنا لأنفسنا أكثر من اللازم، أو نهون من شأن أنفسنا أكثر من اللازم، وأننا إما أن نبالغ في تقدير قدراتنا، أو نبالغ في تقليل شأنها، وغالبا ما يحاولون إقناعنا أننا لسنا على صواب، ولكن دون أن يفلحوا عادة، ونميل لإعطاء آرائنا في أنفسنا قيمة أعلى مما الآراء الآخرين. هذه هي الأنا المتضخمة، تعمل عملها -إننا نعتقد أننا نعرف خيرا من الآخرين! وبالطبع، تحتجزنا هذه الرؤية بداخل حالتنا الحالية من التفكير، ونبقى في الوضع نفسه بالضبط.