نظام الاعتقاد الشخصي لدينا
تسير أمور العالم على أساس قاعدة العلة والأثر، أو السبب والنتيجة. إنه القانون المستبد على الكون، ويقول إن لكل فعل أو أثر هناك علة سابقة أولا. وفي النظام البشرى، فإن أفكارنا هي العلة -وسلوكنا وظروفنا هي الأثر. من الواضح أن الحياة مغامرة عقلية، وليس رحلة مادية. إن ما ينبغي علينا التركيز عليه، وتحسينه للحد الأقصى هو " عمليات تفكيرنا ".
لابد أن نفهم كيف تعمل عقولنا، إذا أردنا أن نمارس المزيد من التحكم على أفكارنا بغرض تحقيق المزيد من الكفاءة والإنتاجية والإشباع.
إن الإجمالي الكامل للمعلومات، والبيانات الخاصة بكل ما جرى لنا ذات مرة في حياتنا يشار إليه بنظام اعتقادنا الشخصي، أي واقعنا، أو الحقيقة كما نعرفها، ونفهمها ونقبلها، إنها تلعب دور الإطار المرجعي؛ إذ نواصل معايشة أمور جديدة في الحياة، وتمثل " البرمجة " الكلية لعقلنا التي تمت له حتى الآن، سواء بوعي منا أو بدونه.
فمثلا، من نحن في هذه اللحظة نفسها؟ بغض النظر عما تصادف أننا نقوم به، فإنه يتحدد بما تؤمن به عقولنا، إن قدراتنا على حل مشكلة، أو الاضطلاع بمهمة، أو الوصول لهدف محدد تعتمد كلها على المعتقدات المخزنة في عقلنا بشأن مواطن القوة | ومواطن الضعف لدينا في كل ناحية من هذه النواحي.
ويأتي الكشف غير المسبوق حين ندرك أن العديد من جوانب نظام اعتقادنا الحالي لا | يمكن الوثوق بها بالمرة؛ وذلك لأنها مبنية على معلومات تعوزها الدقة في الغالب، وغير وافية، أو غير منطقية. فإن قلة قليلة منا من " يعرفون " حقا ذلك القدر الكبير حول أي شيء، حتى في هذا العصر الحديث، وخصوصا حول مواهبنا وقدراتنا | الكامنة، والتي نادرا ما أخبرت اختبارا ملائما وشاملا. يكتسب الناس معتقداتهم من تجاربهم السابقة، ومن أجل المزيد من الدقة، يكتسبونها من تأويلهم.
كل ما في الطبيعة ينطوي
على كل طاقة الطبيعة.
وكل الموجودات قد جبلت
من العنصر الخفي ذاته.
رالف والدو إيمرسون
فيلسوف، وكاتب مقال، وشاعر أمريكي
(۱۸۸۲.۱۸۰۳)
لتجاربهم السابقة. وعلى هذا فإن أي اعتقاد محدد لدينا حاليا فهو رأي شخصي، وليس حقيقة موضوعية. فقط عن طريق إعادة التقييم النقدي للمعتقدات القديمة البالية يمكننا أن نغيرها، ونمضي قدما في حياتنا. ويتضمن هذا بالضرورة القيام ببعض من التفكير الجاد، وفي الحقيقة القيام ببعض من إعادة التفكير!
أثر الانعكاس
أحد أهم المناهيم المتعلقة بالتعزيز الشخصي ترجع لما أسميه بأثر الانعكاس. ويقول أثر الانعكاس بأن عالمنا الخارجي -على الدوام -هو انعكاس لعالمنا الداخلي، أو لنمط أفكارنا، والكلمات والصور التي ترد على بالنا مثل أداة أساسية يمكننا استخدامها من أجل تحقيق تحول المنظور في حياتنا، ويشير تحول المنظور إلى أن نرى في العالم من حولنا " ما يمكن أن يكون " مقارنة مع ما هو حقا " موجود هناك "، فعندما نبدأ في رؤية ما لا تستطيع أعيننا أن تراه، ونؤمن به إيمانا حارا، ستبدأ الأمور عندئذ في الوقوع حقا!
يستدعي هذا السؤال التالي " ماذا يحدد نمط الأفكار، والكلمات والصور التي تشغل رؤوسنا؟ " ويعتمد هذا بالطبع على إطارنا الرجعي، أو من وجهة النظر التي نرى منها العالم، وهو ما وصفناه سابقا بأنه مركز التحكم؛ فالأشخاص يعكسون صورة لعالمهم بطريقتين، إما " من الداخل إلى الخارج " أو " من الخارج إلى الداخل.
فالأشخاص ذوو البؤرة الداخلية، ممن ينطلقون من إطار مرجعي داخلي، ومجموعة راسخة من المعتقدات الجوهرية، قادرون على رؤية ما يؤمنون به رؤية دقيقة في العالم المحيط بهم فلا يجب أن يثير الدهشة أن مثل هؤلاء الأشخاص يرون الفرص، والوفرة، والصحة، والثروة والسعادة حيثما ولوا أبصارهم؛ فهم يتأملون مرآتهم (من الداخل إلى الخارج)، ومن ثم يشكلون واقعهم الخاص. إنهم يحظون بمركز تحكم داخلي.
أما الآخرون ممن لديهم مركز تحكم خارجي، ممن يتفاعلون انطلاقا من إطار مرجعي خارجي، ومجموعة هشة من المعتقدات الجوهرية، ودائما يتأملون مرآة تعكس ما يرونه خارجهم ليشكل العالم بداخلهم، فإنهم اختاروا أن يؤمنوا بما يرونه في العالم المحيط بهم. فما الذي يرونه؟ إنهم يرون اللامبالاة، والتشاؤم، والعوز، والتشكك، والخوف، والإخفاق حيثما ولوا أبصارهم. ولكن إلى أين هم يولون أبصارهم؟ إنهم يولون أبصارهم نحو الصحف، وعناوين الجرائد الصفراء. ونشرات الأخبار في التلفاز حيث يتم إمطارهم بأعمال العنصرية، وتسريح العمال والموظفين. والجريمة، والمخدرات، والعنف والإحباط التي تحيط بهم جميعها. فيعكسون هم ما.
لكي تعيش عيشة راضية بأهون الوسائل،
وأن تسعى للأناقة وليس للفخامة، وأن
تحرص على لطف المعشر، وليس اتباع
الصيحات أن تكون موضع التقدير وليس
موضع الرهبة، وأن تكون ميسور الحال
وليس فاحش الثراء، وأن تجتهد في الدرس،
وأن تفكر بهدوء، وأن تتحدث بلطف،
وتتصرف بصراحة وإخلاص، وأن تنصت
الهمس النجوم، وتغريد الطيور، وللأطفال
الرضع والحكماء بفؤاد مفتوح، وأن تتحمل
كل شيء بسرور، وتؤدي كل ما عليك في
شجاعة، وأن تنتظر الوقت المناسب، دون أن
تتعجل مطلقا. وباختصار، أن تسمح للفطرة
تتعجل مطلقا. وباختصار، أن تسمح للفطرة
الروحية الطليقة الباطنة بالنمو بداخلك.
ستكون هذه أنشودتي الخاصة.
ويليام تشاننج"
مؤلف أمريكي،
ومهموم بأعمال البر والإحسان
(1780-1842)
يرونه في العالم، ويجلبون تلك الرسائل نفسها إلى حياتهم، ويصنعون منها واقعهم، فإن مركز تحكمهم خارجي.
فكر بهذا. إما أن نرى ما نؤمن به، مدركين أن بوسعنا التحكم بما نؤمن به ; وإما أن نؤمن بما نراه، مدركين أنه ليس لنا أي سلطان على ما نراه.
في كتابه الرائع (The Magic in Your Mind -السحر في عقلك) يقدم يو. إس. أندرسون شرحا مفصلا لهذا المفهوم الساحر.
الحياة رحلة يسعى فيها الإنسان إلى التطور. ولا يتحقق ذلك عبر ظروف مواتية أو أحداث مبشرة، ولكن عبر بحث داخلي عن الوعي المتنامي، ونحن موجودون في هذه الحياة لكي نكون، ولكي نتطور، وتلك هي متطلبات الحياة المتطورة التي ترتقي إلى آفاق غير مسبوقة، والروح المتيقظة تلبي النداء وتسعى وتنمو وتتطور، وبدون ذلك يتبع الإنسان في سجن الأنا بكل ما فيه من آلام ومعاناة، فالإنسان الذي يعيش من خلال رد الفعل على العالم المحيط به هو ضحية لكل تغير في بيئته، فهو الآن سعيد، وبعد قليل حزين، وهو الآن منتصر، وبعد قليل منهزم، ومفعول به وغير فاعل نهائيا. قد يعيش أعواما عديدة في هذه الحالة، منصرف الذهن كلية لما تدركه حواسه، ولأحزان ومسرات سطح ذاته، إلى أن يدرك فجأة أن ذاته ما هي إلا وهم مضلل، من عمل الظروف الخارجية وحدها، وعندئذ فإما أن يغرق في حالة تامة من السبات واللامبالاة الحيوانية، أو أنه بعرض عن عالم الحواس، باحثا عن وعي داخلي، وسيطرة على الذات، وهكذا يكون على المسار نحو العيش الحق، والصيرورة الحقة، فيشع عند ذاك في اكتشاف إمكاناته الحقيقية، ويتبين عند ذلك معجزة وعيه الخاص، أو السحر الكامن في عقله.
إلى أي مدى نتأثر " بالرسائل " المنبعثة من بيئتنا؟ تقول صحيفتا " وورلد ريبورت " و " یو. اس. نيوز "، (World Report) (U. S. News) إن صغار الشباب ممن في الصفوف المدرسية من الصف التاسع حتى الثاني عشر سيشاهدون متوسط 18 ألف جريمة قتل خلال مشاهدتهم ۲۲ ألف ساعة للتليفزيون ، وهذا يعني جريمة كل 45 دقيقة ، وإن ۲۲ ألف ساعة من المشاهدة التليفزيونية هو ما يتجاوز ضعف الوقت الذي يقضونه في الفصول الدراسية خلال ۱۲ عاما كاملة من الدراسة.
الوصفة المؤكدة للجهل الأبدي
هي أن يرضى المرء عن آرائه،
ويكتفى بما لديه من معرفة.
آلبرت هوبارد "
كاتب أمريكي
(1856-1915)
تقول إحدى الدراسات الصادرة في مارس ۱۹۹۳ عن جمعية علم النفس الأمريكي أن بعض الأطفال ممن يرون قدرا كبيرا من العنف التخيل يصابون بالتبلد إزاء مظاهر العنف الحقيقي، فعلى سبيل المثال، فإن طفلا يقضى من ساعتين إلى أربع ساعات يوميا في مشاهدة التليفزيون سیری ثمانية آلاف جريمة قتل و100 ألف مشهد عنف قبل أن يصل إلى المرحلة الثانوية، هكذا تقول الدراسة.
ومع نهاية سنوات المراهقة، سيكون الشاب الصغير قد شهد ما يزيد عن 700 ألف مشهد تليفزيوني يتسم بالعنف، وهذا الرقم في تزايد مستمر مع ما صار متاحا من محطات تليفزيونية غير مجانية، وشرائط الفيديو من نوعية أفلام مثل (۲Hard Die) يحتوي على ۲۹4 مشهد قتل، وفيلم (Robocop) والذي يحتوي على ۸۱ مشهد قتل، وفيلم (Total Reall)، الذي يحتوي على 74 مشهد قتل.
لا عجب إذن أن يكون لهذا النوع من البرمجة أثر قوي ودائم على صغار السن. وعلى عقولهم سريعة التأثر؛ مما يساعد في تفسير انفجار الجريمة، للسلوكيات العنيفة بين المراهقين اليوم.
ولعل الرسم الكارتوني التالي يعطينا صورة دقيقة، رغم أنها مفزعة، لطريقة برمجة شبابنا، وتكييفهم مع البيئة المحيطة، حتى يسلكوا سلوكا سلبيا وغير مثمر.
إذا ظلت أهدافك متدنية
في الحياة،
فسوف تصوب دائما نحو
قدمك وحسب.
والتر ستابلس -
لا تنمو أشجار الخشب
الجيدة بسهولة؛
فكلما كانت الريح أعتى،
كانت الأشجار أقوى وأرسخ
جی. ویلیارد ماریوت "
مؤسس فنادق ماريوت
(1900-1985)
وهكذا فسواء صارت معتقداتنا الداخلية الراسخة في واقعنا أو صار العالم الخارجي هو واقعنا، وأيا كان ما يصير إليه واقعنا فإنه هو القوة الدافعة في حياتنا، وإليك سؤالا وثيق الصلة بهذا حتى تطرحه على نفسك: " هل أنا حي وفاعل، ولي تأثير على العالم، أم أن العالم حي وفاعل، وله تأثير على؟ " إننا جميعا مثل دمی تتحرك على المسرح. والسؤال هو، من الذي يجذب الخيوط؟
يقوم الأشخاص المستنيرون وأقوياء العزيمة بعكس معتقداتهم الداخلية على العالم الخارجي. إنهم في موضع التحكم بفضل معتقداتهم الراسخة. وهم يتحركون على وتيرة طبولهم الخاصة. أما الأشخاص السلبيون فينكس العالم الخارجي على نظام اعتقادهم الداخلي، وانهم بعيدون عن التحكم بفضل الرسائل المختلطة التي يرسلها العالم إليهم، والقوى الخارجية هي التي تحدد وتيرة خطواتهم.
تمرین
إليك تمرينا من شأنه أن يلقى بعض الضوء على المركز الخاص بتحكمك، لترى ما إذا كان يميل لأن يكون داخليا أو خارجيا. هناك ثمانية أسئلة. حدد إجابتك عن كل منها على أساس ما تعتقده حاليا بشكل شخصي، فأجب بنعم أو لا.
إذا اتبعت آراء الآخرين وتوقعاتهم،
فستنتهي بك الآمال وأنت تعمل على إقناع
نفسك بعكس ما تريده حقا.
وإذا قطعت مشوار حياتك وأنت تظن
أنه من المستحيل تجاوز الحدود التي
تفرضها الحياة، فإن لأفكارك تلك
طريقتها العجيبة في إعاقة تقدمك.
کارل لويس"
بطل أوليمبي أمريكي