ماذا ؟ أسمعك وأنت تهتف بهذه الكلمة في دهشة . أعرف متى أتوقف ؟ ! ألم تقل من قبل إن الواحد منا لا يجب أن يهدأ أو يتوقف عن جني الثروة وإلا ذهبت الثروة وتسربت من بين يديه ؟ بلى ، لقد قلت هذا ، لكن كان في بداية حصولك على نتائج عملك ، وليس عندما تكون قد أحسنت العمل وحققت من الثراء ما لم يكن يخطر لك على بال من قبل . اسمعني جيداً ، لابد أن يأتي عليك وقت تشعر فيه بالاكتفاء . لابد أن يأتي عليك وقت تشعر فيه أنك تريد أن :
- تقضي وقتاً أطول مع عائلتك .
- تستمتع بحياتك .
- تمضي أوقاتاً مرحة ممتعة .
- تسافر .
- تجعل الموازنة بين العمل والحياة الشخصية تميل قليلاً نحو الحياة الشخصية .
- تستغل وقتك في تعليم الآخرين من خبراتك .
وبالطبع قد تكون قادراً على فعل هذه الأمور دون التخلي عن تكوين الثروة ، لكن ربما يجب أن تغير من تركيزك . إن التركيز على تكوين الثروة شيء طيب ، لكن بمجرد تحقيقك لهدفك هذا ، ينبغي أن تعود أدراجك كما نقول . إنني معجب للغاية بأشخاص مثل " بيل جيتس " والذي قرر أن يتقاعد من عمله ليدير مؤسسته الخيرية ، وفي حالة هذا الرجل ربما لن يكون على الأرجح بحاجة للمال أو حتى قادراً على إنفاقه أو حتى إحصائه كله ، خصوصاً وأن ماله يتراكم كل يوم بصورة أسرع مما يستطيع إحصاءه ، وهو على الأرجح يعيش على أرباح أرباح أرباح أرباح ....
والشخص التالي له في الثراء " وارن بافيت " وهو يفعل نفس الشيء ، بل ويشارك كذلك في مؤسسة " بيل " [1] . أعلم أن هؤلاء الناس يملكون أموالاً تقدر بالمليارات . لكن قلوبهم في المكان السليم ، وهؤلاء الناس هم مصدر هذه القاعدة ، ومن الآخرين الذين يحذون حذوهم " توماس موناجان " مؤسس سلسلة مطاعم دومينوز بيتزا ، والذي اشتهر بتبرعه بمليار دولار ، وتأسيس جامعة " إيف ماريا " .
وقد تظن أنك لست في نفس الفئة مع هؤلاء الناس . كلا ، لكن لا يزال بمقدورك أن يكون لك استراتيجية خاصة بك لتحقق بها مفهوم " الاكتفاء " الخاص بك ، وإذا لم تفعل ، فكيف تعرف متى تتوقف ؟ ما هو القدر الكافي لك ؟ ما هي حدودك ؟ هناك مثل شهير يقول : " إذا كنت تملك الكثير ، تبرع من مالك ، لكن إذا لم تملك إلا القليل ، فأعط الناس من قلبك " ، لذا ، عندما تملك الكثير ، تبرع بجزء منه ــــــ وسنتحدث عن هذا الأمر خلال لحظات .
لن أحاول استمالة قلبك بخصوص التبرع لأعمال البر والإحسان لكني أقترح عليك أنه من المهم أن تعرف متى تكون حققت الاكتفاء من المال . وأنا أعلم أن هناك قولاً شهيراً بأن الإنسان لا يكتفي من المال قط ، لكن التركيز على الثروة فقط هو جزء واحد فقط من الحياة الثرية المتنوعة ولا يزال بمقدورك أن تكون مخلصاً كذلك .
بعدما عملت بكل جهد لتكوين ثروتك ، قد يبدو لك من الإجحاف أن تشرك الآخرين بها ، لكن إذا لم تفعل هذا فإنك تخاطر هكذا بتحول يدك المجدة المجتهدة إلى يد قاسية ذات مخالب . إن الناس يكسبون المال ويرعونه ويحرسونه ويتقاتلون عليه ومنهم من يحسن استخدامه ومنهم من يسيء استخدامه ، كما أن الناس يكسبون المال ويخسرونه ويدفنونه ويستثمرونه ويمنحونه ويستردونه ويتبادلونه ويقسمونه فيما بينهم ، لكن أفضل شيء يمكن للمرء فعله هو أن يشارك الآخرين بماله . ولا أعني بكلامي هذا مواعظ مثالية ، بل أعني أن مساعدة الآخرين بمالك هو شيء طيب ؛ فهو يجعل حياة الآخرين أفضل وأيسر . أعلم أنك عملت بجد واجتهاد وكدحت لأيام وليال طويلة حتى تصل إلى ما أنت فيه الآن ، وقد تتساءل : لماذا إذن أعطي من مالي لهؤلاء الكسالى أو غير المنتظمين والملتزمين بعملهم أو المستغلين ؟ نعم ، سؤال وجيه . لكن هنا لا أتكلم عن هؤلاء ، بل عن الأسوء حالاً ، التعساء ، الضعفاء ، المحتاجين والمستحقين لكرمك هذا .
إن الثروة مثل اللوحة الجميلة والتي يمكن أن تكتفي بتعليقها في حجرة مكتبك بحيث تنظر إليها وحدك ، لكن يمكنك إشراك الآخرين في هذه الرؤية كذلك ، وأسمعك تقول أن الثروة تقل إذا ما أشركنا الآخرين فيها ، لكن هل هذا صحيح ؟ أشك في هذا بشدة . أعتقد أن مقابل كل قرش تنفقه في عمل الخير ـــــــ أو تقتسمه مع من هو عاجز عن تحقيق الثراء ـــــــ فإنك تضاعف من قيمته . ربما ليس بصورة أموال ملموسة ، لكن بطرق أخرى .
وكما قلت من قبل ، لا أريد أن أقدم لك مواعظ ، لكني فقط لا حظت أن الأغنياء الناجحين السعداء في حياتهم حقاً هم من لا يجدون غضاضة في منح الآخرين من أموالهم ، وهذا درس مهم لابد لنا جميعاً من تعلمه
[1] عفواً ، اسمها في الحقيقة " مؤسسة بيل وميلندا جيتس " الخيرية .