بحكم تخصصي في التأليف في مجال إدارة الأعمال وعلم النفس التطبيقي فقد أتيحت لي فرصة الاستفادة بمزايا فريدة لم أكن لأحظى بها لولا تخصصي في هذا المجال . وعلى سبيل المثال كثيرا ما يدعونی رؤساء مجالس الإدارة ومدراء الشركات للحضور معهم من وراء الستار لكي أرى ما يدور حقا في شركاتهم.
ولقد أسعدني الحظ بمتابعة العمليات الداخلية التي تجري في المتاجر الكبرى والمصانع العملاقة ومصانع تجميع السيارات ، والمطارات ، ومصانع بناء السفن ، ومحطات الإذاعة والتليفزيون ، ومكاتب التحرير بالصحف والمجلات ومثل هذه الزيارات ممتعة ومفيدة في نفس الوقت، حيث وفرت لي مادة ضخمة للكتابة . وأحيانا ما كنت أساعد هذه الشركات على الخروج من مشاكلها .
ومنذ عدة سنوات أخذنی جیفری بارنز ، مدير أحد المصانع الكبرى المطاط والإطارات في جولة داخل مصنعه ، وأرادني السيد جيفرى أن أرى بعضأ من المشاريع الجديدة والمعدات الحديثة التي أدخلها المصنع منذ زيارتي الاخيرة وفي أثناء تجوالي داخل أقسام المصنع لاحظت بعض الأشياء التي لم يصرح لی بها جیفری .
على سبيل المثال انتهى إلى نظري أحد مشرفي العمال يتخطى أحد حواجز الأمان ويقفز فوق أحد السبور المتحركة على الرغم من التحذير الشديد من فعل ذلك، كما رأيت أحد الكيميائيين الشبان - وهو مسؤول صغير بقسم التطوير والبحث - وهو يشرف على بعض التجارب في خلاطة المطاط ، ولم يكن يرتدي قناع الوجه ليجنبه استنشاق الدخان الأسود للكربون ، والذي كان يملأ الهواء من حوله ، كما لم يكن مرتديا حذاء الأمان ذا المقدمة المعدنية ، وفوق هذا كان يرتدي رباط عنق طويلا وهو ما كان ممنوعة تماما أثناء القيام بأعمال الخلط وذلك طبقا لما كان مكتوبة على اللافتة التي كانت موجودة فوق الخلاطة مباشرة .
كما رأيت أحد المحاسبين من قسم الحسابات وهو يصعد مستخدما أحد الشوك الكهربائية حيث كان واقفة على أحد أجنحتها ، ومثل هذا التصرف يعد تصرفا ممنوعة في كل المصانع التي زرتها من قبل .
ثم رأيت بعد ذلك أحد المشرفين وهو يدخل أحد أقسام المصنع التي كانت في طور الإنشاء، وقد دخل هذا المشرف دون أن يرتدي الخوذة الحديدية وذلك على الرغم من أنه مر بجوار العشرات من هذه الخوذات التي كانت موضوعة على منضدة خصيصا لكل من يدخل هذه المنطقة الخطرة ، وقد عرفت أن ارتداء الخوذة أمر واجب من خلال إحدى العلامات التي وضعت في إطار أمام المنضدة وقد كتب في هذه العلامة :
على الجميع أن يتوقفوا هنا . ارتد الخوذة الحديدية قبل دخول موقع الإنشاء.
وبعد الانتهاء من الجولة عدت مع جيف إلى مكتبه حيث بادرني قائلا : حسنا . ما رأيك في العمل يا جیم؟
فأجبته : (أعتقد أن هناك معدلات حوادث عالية)
هنا قطب جيف حاجبيه وأردف قائلا : (في الحقيقة هذا هو ما يحدث ، ولكن كيف عرفت هذا؟).
فأخبرته بما لاحظته، وبعد ذلك، وانطلاقا من علاقتنا القديمة التي استمرت على مدى سنوات طويلة راهنت على صداقتنا قائلا : (أستطيع أن أؤكد أن إنتاجك يتعرض لانخفاض - سواء من ناحية الكم أو الكيف - ربما تعاني من ارتفاع نسبة المنتجات المعيبة التي يكتشفها قسم مراقبة الجودة ، بل ربما يكون لديك الكثير من شكاوى العملاء بشأن منتجاتك) .
فأجابني جيف. أنت محق في كل ما تقول ، وحتى أكون صادقا معك فإن رئيس الفرع في أتلانتا يلح على بشأن هذا الموضوع ، قل لي ماذا أفعل بشأن هذا؟
(حسنة، إن هذا بالفعل هو ما يسيطر على تفكيري الآن وإنه ليلزمني عدة أسابيع لاستطلاع جميع جوانب العمل بالتفصيل حتى أعطيك الإجابة على سؤالك ، ولكن من خلال القليل الذي رأيته هذا الصباح يمكنني أن أقول إن المسؤولين الإداريين والمدراء في شركتك لا يضربون المثل للآخرين کي يحتذوا بهم) .
(ويظهر واضحا أنهم يشعرون كما لو أن هذه القواعد لا تنطبق عليهم ؛ فقد رأيت قواعد الأمان واللوائح يضرب بها عرض الحائط في كل أنحاء المصنع ، وإذا كان أعضاء الإدارة لا يأبهون بالأمان فلا تنتظر من الموظفين أن يفعلوا ذلك - ليس فقط فيما يتعلق بالقواعد - بل في جميع الأمور).
(ادفع موظفيك ياجيف أن يكونوا أمثلة يقتدى بها مرؤوسوهم وسترى أن الأمور ستتحسن في الحال).
وفي الأسبوع الماضي اتصل بي جيف هاتفية وقال لي : (لقد كنت محقا ، فقد تحسنت الأمور في كل أرجاء المصنع ، وارتفع الإنتاج كما وكيفة ، وانخفضت معدلات الحوادث إلى الصفر تقريبا ، ولم يعد هناك تقريبا أي شكاوى من العملاء).
(وقد كان كل هذا لأنني تكلمت مع رؤساء الأقسام بعد أن غادرت المصنع مباشرة وأخبرتهم بما قلته لي ، وربما يكون من الأفضل أن تجعل موضوع "ضرب مثل يقتدى به الآخرون" عنوان فصل في كتابك القادم) .
وقد فعلت ما أوصاني به جيف ، و قلت لنفسي إذا كان هذا الأمر قد أفاده كل هذه الإفادة ، فلابد وأنه سيفيدك أنت أيضا .