انظر؛ إننا كائنات بشرية معقدة في عالم بالغ التقيد (أكبر يفوق حجمه كل هذا). إن كل ما حولنا يتسم بغرابة خارقة تفوق القدرة على التصور. أي أنك ــــــ صدقني ـــــ لن تملك أبداً القدرة على فهم كل شيء. وهذا ينطبق على كل المستويات وكل مناحي الحياة. وبمجرد أن تستوعب هذه القاعدة فسوف يسهل عليك النوم ليلاً.
هناك على الأرجح بعض الأشياء القليلة التي تدور حولك الآن، وهو ما سوف يحدث دائماً؛ وسوف يبقى هذا بعيداً قليلاً عن نطاق فهمك. سوف يتصرف الناس بشكل غريب، ولن تدرك أنت السبب. سوف تسير الأشياء بشكل غير متوقع في طريقها الصحيح، أو في الطريق الخاطئ، ولن يبدو لك هذا منطقياً. إن قضاء كل وقتك في محاولة يائسة لتفهم كل ما يجري حولك سوف يقودك إلى الجنون. يجدر بك أن تكتفي بقبول أن هناك دائماً أشياء تفوق قدرتك على الفهم، وتقف عند هذا الحد. يا له من أمر بسيط!
إنه المبدأ الذي ينطبق أيضاً على الأمور الكبرى، وسبب كل ما يحدث لنا. وهناك بعض الأشياء التي لن ندركها أبداً، وهناك بعض الأشياء الأخرى التي يمكن أن نختبرها ونتبينها، ومع ذلك فلديّ شعور دفين بأن هذه الأشياء لن تكون في واقع الأمر كما تصورنا.
إن حياتنا أشبه بأحجية صور مقطوعة ضخمة، وكل ما نملكه منها هي تلك القطعة اليسرى بالأسفل. وبناء على هذه القطعة نسعى لافتراض وتصوّر باقي الصورة: "آه؛ إنها ..." ولكن عندما ينكشف الحجاب نجد أنفسنا بصدد أحجية لصورة ضخمة هائلة، وأن القطعة الصغيرة الضئيلة التي كنا نحملها لا تمثل جزءاً يعتد به، وأننا ننظر إلى صورة مختلفة تماماً عن تلك التي تصورناها.
نحن الآن نملك معلومات تفوق قدرة أي كائن بشري أو حاسب على التعامل معها، وفك رموزها. لا يسعنا أن نفهم كل شيء. بل إننا لا نملك حتى قدرة فهم القدر الضئيل من الصورة الكبيرة. هذا هو ما ينطبق تماماً على حياتنا. هناك أشياء أخرى تجري من حولنا بسرعة تفوق سرعتنا، وقدرتنا على الاستيعاب؛ لأننا بقدر ما نبذل من جهد وسرعة للمحاولة؛ بقدر ما تتغير الصورة، وتزداد المعلومات التي تغير تفكيرنا وما خلصنا إليه.
كن محباً للاستطلاع؛ واطرح أسئلة؛ وتعجب؛ وتساءل، وتحدث مع الآخرين؛ ولكن يجب أن تدرك أنك لن تحصل على إجابة ملموسة شافية. نحن كأشخاص نفتقد المنطقية في الكثير من الأوقات. كما أن الحياة نفسها تفتقد هذه المنطقية. دع الأمور لكي تجري، وتحر أنت عن سكينتك التي تصاحب الإدراك بأنك لن تفهم كل شيء، أحياناً يكون الحال كذلك.