ما معنى إكسب - تخسر في الخلافات الزوجية؟
في مثل هذه المواقف يحصل أحد الأطراف على ما يريد على حساب الآخر، فالشخص ("الفائز") يهزم ببراعة الآخر ("الخاسر"). ويمضي الفائز ولديه شعور بالرضى والارتياح، بينما يشعر الخاسر بأنه هزم أو عومل معاملة غير لائقة أو أهين. قد يكون للانتصار أثر عظيم على شخص واحد لكن ثمن ذلك يكون كبيرًا.
هناك لحظة معينة عندما يحيد الزوجان عن التفاوض السليم ويخوضان في أسلوب اکسب - تخسر. ويحدث ذلك وقتما يتعصب أحد الشريكين أو كلاهما الموقفه ووجهة نظره، والتشبث بالرأي يؤدی تباعا إلى الابتعاد أكثر فأكثر ثم يبدأ الشريكان بعد ذلك في تكوين "قضية" وجمع مایدعم موقفهما وجمع المعلومات التي سوف تضعف موقف الآخر.
ومع انشغال كل منهما بالرغبة في إثبات ذاته، فكل مايهم في ساحة المعركة هو معرفة من أكثر مهارة منهما في النزاع والجدال. ولكن تنبه، فليس هذا هو السيناريو النموذجي للزوجين المخلصين في حبهما.
فعلى سبيل المثال، لكل من براین ودید آراء حاسمة بشأن كل شيء وكان كلاهما عنيدا فيما يريد ويستثمران قواهما في إثبات آرائهما، وأرادت دید قضاء العطلة مع أسرتها بينما براین كان يريد قضاءها معها وحدهما فقط. وكان يتكرر ذلك كل عام وتدور الأحداث كما يلي:
تبدأ ديد في إثارة الموضوع بقولها: "أود قضاء العطلة مع أسرتی".
يرد براین: "أعتقد أنه سيكون من الأفضل أن نقضيها سويًا بمفردنا في أحد المُنتجعات".
سرعان ما شعرت دید بالخوف من أن تفقد ثورتها وكانت تعرف أنها لن تتأثر بای شي، وأرادت إيجاد مايدعم رأيها.
فشرعت في بث الإحساس بالذنب لدى براین قائلة: "إنك تعرف أن والدای مسنان، وقد لايمر علينا أعياد كثيرة لنقضيها معهما".
أجاب براین : ماهذا الهراء؟ إنك على يقين بان والديك يتمتعان بصحة جيدة حتى إنهما قد يعمرا في الحياة".
جربت دید حيلة أخرى بقولها: "كم هو رائع أن تجتمع الأسرة في هذا الوقت من العام، ويا للفرحة التي سنراها عندما يجتمع أطفالنا معا".
لم يرق ذلك لبراين فعلق ساخرا: "صياح الأطفال وصراخنا کی نسمع بعضنا البعض. نعم كم أنها ممتعة بالفعل !".
وقتئذ أدركت دید أنها ستخسر حجتها، لذا حاولت استخدام المنطق والعقل بقولها: "أنه الوقت الوحيد طوال العام الذي يشعر فيه الجميع بالحرية في إعداد الطعام وتجاذب أطراف الحديث. إنه أمر هام للغاية".
شعر براین بأن دید سوف تكسب هذه المرة، فأدار الحديث رأسا على عقب وجرب الإقناع: "تخيلي أننا نمضي الوقت وحدنا على جزيرة بعيدة نستمتع بالهواء والماء تحت دفء الشمس، ويمكننا أن نبحر بالمركب ونتحدث عن حبنا تحت ضوء القمر. ألا يبدو ذلك ممتعة بالنسبة لك؟".
أصيبت دید بالإحباط وأطاحت بكل شيء وصاحت: "إنك لاتهتم بي أو بأسرتي، إنك أنانی جدا". شعر براین آن دید تتهمه خطئاً فرد بغضب: "إنك لاتهتمين بعلاقتنا. وتولين اهتماما بأسرتك أكثر مني".
عند هذه اللحظة، زادت الفجوة بين براین ودید. وشرع كلاهما في جمع كل ما يدعم رأيه والعمل على سحب الثقة من الآخر، وقد يستخدمان الاتهامات والإحساس بالذنب والإقناع والتنابذ بالألقاب لإثبات صحة أحدهما وخطأ الآخر، ولابد من حدوث شرخ في العلاقة أثناء كل ذلك.
للمشكلة بُعدان، الأول هو أنه لن يحاول أي منهما الاقتراب من الآخر، والثاني هو ابتعاد كل منهما عن الآخر أكثر فأكثر ما يجعل من الصعوبة والاستحالة أن يتفاوضا على أساس سليم بعد ذلك. فهما الآن في حالة هجوم ودفاع وهجوم مضاد - سلسلة يمكن أن تتصاعد حتى تصبح معركة قاتلة للعلاقة.
ويحاول كلاهما أثناء هذه "الكارثة" أن يفوز بصرف النظر عن التأثير الذي سيخلفه مايحدث على أحدهما. والمشكلة أيضا أنهما يفقدان ما یربطهما، في الحقيقة قد يفوق أحدهما الآخر ولكن إذا تقطعت أواصل الرباط بينهما فلن يكون ذلك التفوق حقيقة أبدا !
فعند لحظة معينة لن يتخلی براین عن رأيه ويذهب إلى أسرة ديد، ولن تتراجع دید وتقضي العطلة مع براين في الجزيرة، وستقضي الوقت تتمنى لو أنها مع أسرتها. ليس هناك من ينكر بوضوح سعيا وراء التوصل إلى حل يرضيهما ويسعدهما، ولن يكون أمامهما سوی خیار اکسب - تخسر الذي عفى عليه الزمن.
لم يتعلم براین وديد كيف "يتفاوضان" لذا ففي كل مرة يثار هذا الموضوع، سرعان مايتشبث كلاهما بموقفه العادي للدفاع عنه بشراسة، فهما يعرفان كيف يتشاجران ويفرضان آرائهما ولكن لايعرفان كيف يتعاونان، وكل مايريده كل منهما لكي يضعا حدًا لذلك ولمنع حدوثه مرارا وتكرارا هو أن يتعلما كيف يضمنا حصول كلاهما على ما يريد بالتفاوض بمبدأ اكسب - تكسب.
الخطوات التنفيذية
كلوديا ومارك كانا مستعدين لشراء سيارة جديدة، وأراد مارك شراء سيارة رياضية، أما كلوديا فكانت تبحث عن سيارة مريحة في الرحلات. أراد مارك سيارة بدون كماليات، أما كلوديا فلو استطاعت، لركبت إطارات أربع للأريكة الموجودة بحجرة نومها وسافرت بها في كل مكان وبحرية تامة. كان من الواضح أن مارك وكلوديا لم يكونا على نفس الموجة.
أول ما ورد لخاطر کلودیا ساعتها هو إنه يستطيع الحصول على سيارة لنفسه، وأنا سوف أحصل على واحدة لنفسي، وهكذا ستعالج المشكلة. أنا مارك فكان جوابه: "لاتذهبي إلى الاعتقاد بأننا سنشتري سيارتين مختلفتين، لأن الميزانية لاتكفي لذلك" إذن كان سيناريو شراء سيارتين الذي أعدته لم يكن هو الحل المطلوب، وكان لابد أن يتفاوضا.
كان مارك وكلوديا يدركان تماما أنهما لا يريدان الدخول في معركة حول من ستكون له الغلبة في شراء السيارة، فقد خاض كل منهما هذه التجربة من قبل مع آخرين، ولم يكونا راغبين أيضا في الإحساس بما قد يولده التسلط في الرأي من مشاعر بغيضة، ورغم أن كليهما واجه إغراء شديدا للتصميم على مايريده كل منهما على حدة، فقد شعرا بأنهما يريدان إنهاء موضوع شراء السيارة دون أن يسن أحدهما للآخر. وكان الاتفاق الأساسي بينهما هو أن يقوما بشراء سيارة تفي باحتياجاتهما هما الاثنين.
أراد كل من مارك وكلوديا أن يتعرفا أولا على النقاط التي يتفقان عليها، ثم يقوم كل طرف بإبلاغ الآخر بأولوياته واحتياجاته التي يطلبها في السيارة الجديدة. اتفقا على أنهما يريدان شراء سيارة جديدة.
كما اتفقا على أنهما لايريدان شراء سيارة يزيد سعرها عن 15000 دولار، كما أنهما اتفقا على شراء سيارة مستعملة وليست جديدة تماما، وخططا سوية لاستعمالها في فترة تتراوح بين سنة إلى سنتين، كما أنهما لايريدان شراء سيارة يزيد عمرها عن خمس سنوات، وإضافة إلى هذا وذاك، اتفقا على أنهما لايريدان شراء سيارة ذات بابين، أو ذات ناقل حركة يدوي، أو عربة كبيرة، أو سيارة ذات سقف متحرك، واتفقا على أن الأبيض والأسود والأحمر والأصفر ألوانا غير مرغوب فيها.
وبمجرد الانتهاء من تحديد نقاط الاتفاق، يمكنهما بعد ذلك الانتقال إلى تحديد اختیاراتهما الشخصية ، كل على حدة.
مارك مثلا كان يريد اقتناء سيارة موديل إس.یو.في لسهولة قيادتها، وشعر بأنه يريد شراء سيارة كبيرة، أما كلوديا فقد كررت رغبتها بأنها تريد شراء سيارة مريحة في الداخل، کی تشعر بالراحة أثناء الرحلات الطويلة، وبعد أن وضح كل منهما النقاط التي يريدها، بدأت ملامح السيارة تتكشف أمامهما، واستطاعا أن يحددا المميزات التي تهمها وتهم شريكها كذلك. وبسرعة، قاما بوضع قائمة جمعت احتياجاتهما، وبدءا، بناءاً عليها في استبعاد السيارات التي لا تفي بمتطلباتهما.
قام مارك وكلوديا بعمل فحص للسيارة، واتفقا أخيرا على سيارة واحدة. كانت سيارة قوية تسير بنعومة، يمكن قيادتها بسهولة ويسر، وكانت فارهة من الداخل، ما أدى إلى شعور كل من مارك وكلوديا بالرضا، وأحسا بأنهما لم "يضلا الطريق". وكان السر وراء نجاح مفاوضاتهما هو أن كل واحد منهما كان مرنا في موقفه ولم يتعنت فيه.
صحيح أنهما في النهاية لم يركبا في السيارة التي حلما بها في المقام الأول، لكنها شعرا بالرضا عن اختيارهما على الرغم من ذلك. لقد نجحا في التوصل إلى اتفاق يجمع كل النقاط المهمة بالنسبة الكليهما، وكانت النتيجة رائعة، لأن كلا الطرفين حقق ما يريد دون أن يجور أحد منهما على حق الآخر.