إن ما تُقيمه من علاقات هو بمثابة "مدرسة للحياة"، تتعلم فيها أشياء عن نفسك، وكيف يمكن لشخصيتك أن تنمو وتنضج.

إن العلاقات الحميمة تؤثر في حياتك تأثيرًا عميقة، فتكشف لك أعمق أسرار نفسك، وتفرق بين ما تريده وماتحتاجه، وتضئ لك الطريق لتكتشف أعماق روحك ومشاعرك، وتمنحك دروسا رائعة وقيمة في الحياة، ولكن من أهم وأقوى تأثيراتها أنها تتيح لطبيعتك الإنسانية القدرة على النماء والامتداد.

ويمكن تعريف النمو على أنه "التوسع، أو الزيادة، أو التكاثر". فإقامة العلاقات مع الغير من شأنها أن تضيف الجديد ليس فقط لحياتنا، ولكن لأنفسنا أيضا، إذ إنها توسع الآفاق وتفسح منظورنا للحياة نفسها، وتزيد من الوعي بالإمكانات، والمصادر، وتمنحنا قدرة التغلب على التحديات التي تواجهنا.

هناك طاقة عظيمة تتولد من هذا التوحد العميق مع الآخرين. هذه الطاقة تلازمنا أثناء عملية النمو فتجعلنا نبدو أفضل وأكثر قوة وحكمة، وتجعلنا ننتمي إلى دنيا البشر بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وهذه العلاقات تفتح لنا آفاقا من خلالها تحقق المزيد من التطور. فبداية، إن وجود شخص تحبه في حياتك ليمك بإمكانات جديدة، حيث إنه يفتح لك أبوابة لم تكن لتدرك حتى وجودها، ويقدم لك العديد من البدائل والخيارات التي لم تكن لتفكر بها لو كنت وحدك. هذه العلاقات تستخرج من أعماقك الموضوعات الشخصية التي تحتاج إلى المداواة. إنها تكسر قيودك وتعلمك كيف ترتقي بمستوى تعاملك مع الآخرين، وسيكون من حبه شريك لك في عملية التطور والنماء فيقود كل منكما الآخر عبر حياة مثيرة مليئة بالتحديات.

نظرة مختلفة للحياة

لكل منا ما يميزه عن الآخرين من ملامح وعناصر شخصية تمنحه سماته الميزة، ومن هذه الملامح الثقافة، والاهتمامات الشخصية، والمهارات والمشاعر، وخبرات الحياة، وحينما يتحد شخصان تتداخل الملامح والسمات، فتكوين علاقة بين اثنين يمنح كلا منهما فرصة مشاركة ملامحه وسماته الشخصية للآخر، حيث يمنحه إياها کهبة غالية.

فحينما التقت سارة وبينجي، لم تكن من ذلك النوع الذي يحب الخروج كثيرا، فلم تتح لها أبدا فرصة الخروج للصيد أو للتنزه أو ممارسة اى من هذه الأنشطة، حيث إن أحدا ممن حولها لم يكن ليهتم بمثل هذه الأمور، فكانت سارة أقرب إلى فتاة المدينة. يسعدها كثيرا أن تعلم أن الرحلة الوحيدة التي ستقوم بها اليوم هي الذهاب إلى المتجر أثناء عاصفة ثلجية، ومن ناحية أخرى، فقد كان بينجي من أفضل فتيان الكشافة حتى الثامنة عشرة من عمره، وخاض كثيرًا من رحلات التنزه، وقام بالعديد من المعسكرات الاستكشافية بدافع حبه للخروج إلى الهواء الطلق، وقد أقنع بینجی سارة بالخروج في رحلة لثلاثة أيام الممارسة رياضة التجديف السريع، حيث يقضيان الليل بالخيام ويشعلان النار على طريقة المعسكرات حتى يطهوا طعامهما. ترددت سارة في الموافقة في بداية الأمر، حيث إنها لم تخض تجربة كهذه من قبل، ولكنها كانت تثق في بینجی، ولذلك فقد وافقت.

وهناك عاشت سارة أروع أيام حياتها، فقد علمها بینجی کیف تنصب الخيمة، وكيف تشعل النار، وكيف تعرف الوقت عن طريق موقع الشمس ، وكيف تترك علامات خلفها حتى لاتضل طريق العودة. لقد كان من السهل عليها أن تتقبل كل ذلك، وهكذا أصبحت سارة في نهاية الرحلة شديدة التعلق بهذه الهواية. لقد "منحها" بينجى هواية حب الخروج والرحلات فأصبحت عاطفة يتجاوبان فيها معا.

وعندما أخبرتنی سارة بهذه القصة، أدركت أن عديدا من الأشخاص الذين صادفتهم في حياتها قد ساهموا في توسيع آفاقها أكثر وأكثر، فتذكرت (بول) الذي عرفها بموسیقی بوب دایلان ومایكل الذي علمها كيفية تدبير واستخدام مواردها المالية الشخصية، ثم هناك کریستوفر الذي دعاها للذهاب سه إلى مزرعة عائلته في أيرلندا حيث شاهدت عالا لم تكن أبدا لتعلم بوجوده، وآب، ذلك الفنان الذي شجعها على تعلم صناعة الفخار، والتي أصبحت الآن واحدة من أكثر الهوايات المفضلة لديها.

إن لدى من تحب الكثير کی علمك إياه. فإقامة علاقة مع شخص ما تمنحك ميزة إضافية وهي أنك ستشاركه اهتماماته وهواياته وتستفيد من خبراته ، مما سيؤدي إلى توسيع مجال خبراتك، وفي المقابل فإنك تمنحه نفس الفرصة وسوف تتغير نظرتكما للحياة معا وتتسع آفاقكما.

الحصول على أكبر قدر من الراحة

سيدفعك الاندماج في علاقة ما إلى محاولة كسر قيودك والارتقاء وراء حدودك الشخصية والامتداد إلى ماهو أبعد من عالمك الطبيعي، فقبل أن تمتزج أنت ومن تحب في وحدة واحدة، كنت تعيش حياتك وأنت قادر على التعايش داخل حدودك الجسدية، والعاطفية، والعقلية، والروحية في وئام تام.. قد تكون جرؤت أحيانا على تعدى هذه المقاييس، كلما تطلبت الحياة ذلك، ولكنك رغم معالجتك عملية تطوير شخصيتك مترقيا، فقد حافظت على الحدود والمقاييس التي وضعتها من أجل راحتك.

ولكن وجود شخص آخر مهم في حياتك غير كل ذلك، حيث إن هذه العلاقة قد تتطلب بعض الاحتياجات والرغبات التي تدفعك إلى الخروج عن دائرة المقاييس التي وضعتها من أجل راحتك، وتظهر هذه الحالة في أبسط الظروف كما حدث مع "بيني" - وهي ربة منزل بالدرجة الأولى - عندما وجدت بيني أنها بحاجة إلى إعداد نفسها للتعايش مع وارن - وهو شخصية اجتماعية تهوى تكوين صداقات عديدة - وقد بدأت بینی فی تلقى المشكلات منذ الأيام الأولى لعلاقتها ب" وارن"، حيث دعاها إلى الذهاب معه لحضور مباراة بيسبول بصحبة أصدقائه الخمسة القربين وزوجاتهم، وحينها لم ترد بینی الذهاب معهم، حيث ساورها القلق من أن وارن قد يذهب مع أصدقائه ويتركها مع السيدات فلا تجد شيئا تقوله لهم.

ولكن، لحسن الحظ، كان لدی بینی معالجها الخاص الذي يتسم بالحكمة، وهو الذي شرح لها فكرة الخروج عن دائرة مقاييس الراحة التي وضعتها لنفسها، وهكذا، ذهبت بینی لهذه المباراة حيث شاركتهن الحديث فاشعرنها براحة أكبر.

وقد تظهر الحاجة إلى الخروج عن المقاييس التي يضعها الشخص من أجل راحته في مجالات أكثر تعقيدا من هذه، كما حدث في حالة هاريس، وهو جراح متخصص في مجال القلب ولايعتقد إلا في الطب التقليدي، حين قابل جودي وأحبها وكانت معالجة تستخدم أساليب طبية غير تقليدية في العلاج، وهكذا أصبح هاريس بحاجة إلى عملية توسيع دائرة مقاييس الراحة لديه، فيستعد لإدخال ماهو جديد إلى معتقداته، حيث يتفهم وجهة نظر جودی ومفهومها عن الطب البديل حتى يستطيع أن يتقبل عملها.

ومن الضروری تواجد قدر معين من الأخذ والعطاء، فستحتاج انت ومن تحب إلى تحديد من فيكما سيتكيف مع الآخر، فبتقدم العلاقة بينكما سيحتاج كل منكما إلى توسيع دائرة مقاييس الراحة التي يحددها لنفسه عند الضرورة ، وذلك من أجل الوصول إلى التوحد بينكما، وفي البداية قد يصاحب عملية التوسع هذه شعور بعدم الراحة، ولكن في نهاية الأمر لاتكون آلامها أكثر من آلام النمو العادية.